إنذار من لشبونة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يمنع الاستنفار العالمي إزاء الحرب الدائرة في أوكرانيا وتداعياتها المتعددة المستويات، الاهتمام بقضايا أهم وأكثر إلحاحاً وحاسمة في تحديد مستقبل البشرية. ولا شك في أن قضية المناخ وتأثيراتها باتت شواهدها يومية في الزلازل المدمرة والتقلبات الجوية العنيفة وزيادة منسوب البحار والمحيطات، وارتفاع درجات الحرارة السنوية، وكلها مشكلات عابرة للحدود والسياسات والصراعات، وتستوجب حلولاً جماعية حتى تبقى على هذه الأرض شروط للحياة.
  على مدى خمسة أيام ينعقد في العاصمة البرتغالية لشبونة مؤتمر حول حماية المحيطات يحضره آلاف المسؤولين السياسيين والخبراء والمدافعين عن البيئة، وترعاه الأمم المتحدة؛ حيث أطلق أمينها العام أنطونيو غوتيريس إنذاراً جديداً فحواه أن المحيطات في خطر ولا بد من إعلان حالة طوارئ للحفاظ على هذا المكون الأساسي في الطبيعية الذي يغطي أكثر من ثلثي سطح الأرض، ويؤدي دوراً رئيسياً في التخفيف من آثار تغير المناخ وتنمية فرص الحياة على الأرض. وما يقوله غوتيريس ينسجم مع ما تستنتجه دراسات الخبراء والمراكز المتخصصة من البحار والمحيطات عن دورها الحاسم في التوازن البيئي، وأن أي اختلال في طبيعتها وزيادة منسوبها، جراء ارتفاع درجات الحرارة والذوبان الجليدي، سيؤدي إلى نتائج مدمرة على بقية الأرض، والدليل هذه الفيضانات والأعاصير المدمرة في غير وقتها مثلما هو الحال في هذه الفترة في جنوبي آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، بل إن بعض الظواهر الطبيعية جمعت المتناقضات، كأن تشهد منطقة واحدة حرائق هائلة توازيها عواصف ماطرة مثلما حدث في قبرص وقبلها في بعض الولايات الأمريكية قبل أشهر. وما شهدته بلدان أوروبا من حرارة قياسية وحرائق، يفترض أن يشكل وعياً جديداً يرى في هذه الظواهر خطراً داهماً جديراً بالمواجهة واليقظة الدائمة.
  ما يتداوله الحاضرون في لشيونة أخطر وأهم، على المدى الطويل، مما طرحه قادة مجموعة الدول السبع في قمة بافاريا، وفي قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد، فالقضية الرئيسية للقمتين تتعلق بالحرب الأوكرانية والضغط على روسيا، والتخطيط  لزيادة جاهزية الحلف عسكرياً. ومهما طال الصراع وتمدد سيصل حتماً إلى نقطة النهاية وينتقل من ميدان المعركة إلى مائدة المفاوضات، شأنه في ذلك شأن أي صراع بشري. أما الصراع مع الطبيعة، والسعي إلى الحفاظ على مقومات الحياة على الكوكب الأزرق، فهو المعركة الحقيقية والمصيرية التي تستوجب عملاً جماعياً وتحالفاً بالإجماع لا تتخلف عنه قوة أو دولة. 
  فالتغير المناخي الذي يتفاقم من عام إلى آخر، بات تهديداً لا يرحم، وأمام خطره كل الناس سواء. وإذا كانت هناك قناعات راسخة وضمائر حية، يمكن للمجتمع البشري أن يكسب هذه المعركة بأقل الخسائر، أما تجييش الجيوش وبناء التحالفات العسكرية والتباري في إنتاج أسلحة التدمير والفتك، فلن تؤدي إلا إلى إمداد التغير المناخي بمزيد من الوسائل والأدوات لتدمير الكوكب، وحينها لن تكون الطبيعة مسؤولة عن الكارثة، بل هذا الإنسان الذي لم ينتبه في اللحظة المناسبة أن الطبيعة تساس باليقظة والحرص، أما إهمالها فيسكون باهظ الثمن.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"