استحقاق مصيري لتونس

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تعيش تونس على وقع الحملة الوطنية للاستفتاء على الدستور في الخامس والعشرين من الشهر الجاري مصحوبة بسجال لا يتوقف حول هذا المشروع الذي تحيط بولادته ضبابية غير مفهومة، بعد بيان مفاجئ أدلى به الصادق بلعيد، رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور، تبرأ فيه من النص الذي نشرته الجريدة الرسمية، وهو موقف أجّج اللغط المتصاعد بين مؤيد ومعارض لهذا الاستحقاق.

 الرئيس قيس سعيّد تدخل مدافعاً عن نهجه، وأكد أن «الدستور الجديد يعبّر عن روح الثورة ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات»، و«لا يعيد البلاد إلى العهد الاستبدادي»، وهذا كان مطلوباً وربما جاء في وقته ليردّ على الحملة التي تستهدف المشروع الدستوري، وإن كان الأمر مازال يتطلب من رئاسة الجمهورية مزيداً من التوضيحات والتطمينات حتى يحقق الاستفتاء نتيجة إيجابية تضع البلاد على منصة جديدة تنطلق منها إلى عهد حقيقي من الإصلاح والبناء والعمل، وتتدارك ما فاتها من سنوات طويلة ضاعت أيامها وشهورها في السجالات العقيمة والمعارك الحزبية التي عطلت الدولة ومنعتها من خدمة التونسيين كما كان مأمولاً عند الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عام 2011.

 من دون إفراط في التفاؤل أو التشاؤم، تبدو هذه الفترة أصعب اللحظات المصيرية التي تواجه تونس، وهي تقف على أبواب جمهورية جديدة يريدها أنصارها أن تحمل نظاماً سياسياً مختلفاً لا يقطع مع إرث الاستقلال ومكاسب الدولة الوطنية، ويأخذ بمستجدات العصر وتطلعات الشعب، ويراهن على المستقبل باستنباط خيارات تواكب طوارئ التحديات الحديثة وتحقق ما كان يجب تحقيقه لو سارت الأمور في مسارها الصحيح ونجت من الأخطاء التاريخية التي سببت كوارث على أكثر من صعيد. ولأن الرئيس قيس سعيّد يؤكد أن مشروعه يستهدف تعزيز النظام الديمقراطي والتعلق بمبادئ الحرية وحقوق الإنسان والمواطنة، تنتظره مسؤولية جسيمة في استيعاب من يخالفونه الرأي أو من يتوجسون من توجهاته، لأن هذا الدستور، إن تم قبوله، يجب أن يكون إضافة تاريخية للبلاد، وليس عنوان أزمة ومدعاة أخرى للخلافات والصراعات. فالشعب، الذي صبر طويلاً وتحمل الكثير من الشعوذات الحزبية، ينتظر مكافأة سياسية على ذلك الصبر والتحمّل بأن تتحقق له دولة قانون ومؤسسات ومساواة وحرية وكرامة وديمقراطية. وربما يكون الرئيس سعيّد أمام فرصة لا تتكرر ليكون عنوان هذا الفاصل التاريخي، أما إذا فشل هذا التوجه فإن التداعيات ستكون خطيرة ويصعب أن تستوعبها البلاد بالنظر إلى ما عاشته من إحباط وهدر وفساد وخيبات.

 الأمل أفضل ما يتسلح به التونسيون في هذا الموقف، ومنه يستلهمون القدرة على التجاوز والإنجاز. 

ويشهد التاريخ أن تلك البلاد العريقة كانت في أكثر من مناسبة مضرباً للمثل في التحضر والسلمية والعقلانية. وبعد استفتاء 25 يوليو ربما يتبدل الحال ويكون الطالع خيراً بعد أن يقول الشعب كلمته. 

وعندما تضيق الخيارات تبقى الحكمة وحدها لتقود إلى أقوم المسالك للخروج من هذا الوضع التونسي ليستكمل التاريخ مساره مع عهد جديد مفعم بالأمل والتفاؤل والوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"