السودان.. تعقيدات سياسية وأمنية

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

الأحداث الأليمة التي وقعت في ولاية النيل الأزرق السودانية، وأسفرت عن سقوط أكثر من مئة قتيل، وعدد كبير من الجرحى؛ أدخلت عاملاً جديداً يضاف على مسار التعقيدات السياسية والأمنية القائمة في البلاد، وتبين أن ارتدادات جهوية كبيرة قد تتفرع عن هذه الأحداث إذا لم يتم تدارك النتائج، ومعالجة الأسباب، لأن أحداث الشغب والاحتجاجات التي أعقبت الاقتتال القبلي، خصوصاً التي حصلت في مدينة كسلا، أكدت وجود أرضية قابلة للاشتعال في أكثر من منطقة سودانية، لاسيما في إقليم دارفور في الغرب، وفي ولاية البحر الأحمر الشرقية.

 ويربط كثير من المراقبين بين الاقتتال الذي حصل، وبين تطورات الوضع السياسي، وهناك مَن يعتبر أن ما حدث في ولاية النبيل الأزرق، وفي دارفور، وفي كسلا؛ لم يكُن عادياً، أو صدفة، بل هناك قوى داخلية وربما خارجية تدفع لخلق هذه التوترات، لاستثمارها في الحسابات السياسية القائمة.

 قوى الحرية والتغيير التي تقود الحراك في مواجهة ما جرى يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021؛ اتهمت علناً حركة «الإخوان المسلمين» بالتحريض على الاقتتال، لتدعيم الوضعية القائمة حالياً في البلاد، أو لاستعادة مكانتها التي تراجعت بعد خلع الرئيس عمر حسن البشير في إبريل/ نيسان 2019.

 والمعالجات التي أعلن عنها رئيس المجلس العسكري الحاكم، الفريق عبد الفتاح البرهان، قد لا تكفي لوأد الفتنة، لأن جهات عسكرية وأمنية متهمة هي أيضاً بغضّ الطرف عما حصل في النيل الأزرق، قبل أن تندلع المواجهات. وقد وجّه مئات الأشخاص من قبيلة الهوسا في مدينة كسلا، جام غضبهم ضد مقرات الحكومة، واتهموها بالتقاعس عن حماية أبناء قبيلتهم في النيل الأزرق، برغم قدرة قوى الجيش على ذلك لو تدخلت في الوقت المناسب.

 وحملت التظاهرات الكبيرة التي دعت إليها قوى الحرية والتغيير في الخرطوم، يوم الثلاثاء الفائت، شعارات تدعو إلى الوحدة واحترام التنوع ورفض الاقتتال القبلي والجهوي، ودعت الجيش للعودة إلى الثكنات، وتسليم السلطة لحكومة مدنية تكمل تنفيذ البرنامج الذي تم الاتفاق عليه في أغسطس/ آب 2019، عندما تشكل المجلس السيادي مناصفة بين ممثلين عن قوى التغيير والمجلس العسكري، على أن يشرف المجلس على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال مدة 39 شهراً، لكن حركة 25 أكتوبر 2021 أجهضته عندما عزلت المدنيين عن السلطة، وتولّى قائد الجيش الفريق البرهان القيادة بمفرده.

 لكن البرهان يدعو في المقابل إلى الاتفاق على تشكيل حكومة مدنية، وهو مستعد لتسليمها السلطة، واستكمال تنفيذ برنامج المصالحة الوطنية، واعتذر عن المشاركة في الحوار الذي دعت إليه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، لإفساح المجال أمام القوى السياسية السودانية للاتفاق على تشكيل حكومة مدنية تتولّى إدارة شؤون البلاد، والبرهان على استعداد كامل لمواكبتها، وحماية حركتها، كما قال.

 قوى الحرية والتغيير أعادت النظر في الخلافات التي عصفت بين مجموعاتها، وهي تتجه نحو توحيد قواها المتنوعة، والمؤشرات التي بانت خلال تظاهرة الثلاثاء 26 يوليو/ تموز، تبيِّن أن تغييراً حصل على مستوى التقارب بين فصائل هذه القوى، وقد رفعت شعارات وطنية موحدة، تدعو إلى وحدة البلاد واحترام الحريات والتنوع، ومنع الاقتتال بين أبناء الوطن، وتطلب من الجيش وقف التدخل في الشؤون السياسية للدولة.

 المجلس العسكري أمام تحديات كبيرة، فهو غير قادر على إعادة تجربة الفريق عمر حسن البشير، والظروف الحالية مختلفة عن ظروف عام 1989 عندما سيطر البشير على الحكم، لأن الحراك السياسي الحالي في السودان، لم يكُن موجوداً في المرحلة الماضية، ولأن الانتفاضة التي أجبرت البشير على التنحي، لن تسمح بإعادة إنتاج نظام عسكري مشابه بعد كل التضحيات.

 والصعوبات التي تواجه البرهان لا تقتصر على حراك قوى التغيير فقط، بل إن المجتمع الدولي والعربي بأغلبيته، يشترط تسليم السلطة لحكومة مدنية، لإعادة تقديم المساعدات الاقتصادية والمالية، والبنك الدولي أوقف تنفيذ اتفاقية مساعدة السودان بانتظار تحقيق الخطوات التي طلبها من حكومة البرهان، وهي تبدأ بتشكيل حكومة مدنية. ولولا المساعدة الطارئة التي قدمتها منظمة الزراعة والتغذية العالمية «الفاو» بقيمة 100 مليون دولار، ومعها بعض المساعدات الإنسانية من دولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها؛ لكانت المجاعة أصابت جزءاً يسيراً من الشعب السوداني.  ومن الواضح أن التعقيدات السياسية، والأحداث الأمنية التي حصلت في العاصمة وبعض الأقاليم، انعكست سلباً على الأوضاع المالية والاقتصادية، وقد تراجعت قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، كما زاد التضخم إلى ما يزيد على 150% خلال الشهرين المنصرمين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"