عادي
يتخذ من حرب العراق خلفية

«قلوب مجروحة».. رومانسية تفضح العنصرية

23:06 مساء
قراءة 5 دقائق
زواج المصلحة يسلك طريقاً مختلفاً

مارلين سلوم

ربما من المستحيل أن تجد في السينما الأمريكية فيلماً يحكي عن «زواج المصلحة» ويكون أبطاله من المراهقين، أو في العشرينات من العمر؛ ونادراً جداً أن تجد في السينما أيضاً أفلاماً عن الجنود الأمريكيين لا يركز في الجزء الأكبر منه على معاناة الجنود ليقودك حتماً إلى التعاطف معهم، وتبرير أي خطأ قد يقترفونه، وبشكل تلقائي تجد المبرر الأكبر «للتضحية» التي تقوم بها أمريكا حين ترسل جنودها إلى الدول البعيدة، مثل العراق.. لذلك يمكنك القول إن فيلم «قلوب أرجوانية»، والمقصود به «قلوب مجروحة» الذي يلاقي رواجاً ونجاحاً على «نتفليكس»، من هذه النوادر التي تمشي عكس السائد، وتنحاز لتسليط الضوء على «من هو العدو الحقيقي للأمريكيين؟»، والسلوك الغوغائي لفئة من الجنود بحجة أنهم «يحمون الوطن»، وغيرهما من القضايا..

طبيعي أن تطغى فكرة «قصة الحب بين شاب وفتاة» على ذهنك حين تقرأ أن «قلوب مجروحة» فيلم رومانسي مأخوذ عن رواية للكاتبة تيس ويكفيلد، ومشاهدة هذه النوعية من الأفلام محببة غالباً، ومطلوبة وسط الكم الأكبر من أفلام الخيال العلمي والجريمة والرعب التي تنتشر في الصالات وعلى المنصات في كل المواسم، وتكون لها المساحة الأكبر في الانتشار والتداول بين الناس. لكن يبدو أن المؤلفة كتبت قصتها بهدف التركيز على مجموعة قضايا وظواهر في المجتمع الأمريكي، وفي بالها مجموعة رسائل تود حملها إلى أكبر عدد من الناس، فاختارت القالب الدرامي الرومانسي والإنساني، وتمكنت بذلك من كسب الرهان، وإن تفاوتت آراء الجمهور والنقاد حول العمل، لكنه بشكل عام جيد وممتع تمكن من القفز فوق الفراغ والملل، رغم أنه يمتد لنحو ساعتين من الوقت، وتشوبه بعض نقاط الضعف.

كاتبا السيناريو كايل جارو وليز دبليو جارسيا التزما بالخطوط التي رسمتها المؤلفة في روايتها التي رأت النور عام 2017، زمن الصدور ليس بعيداً، وزمن الرواية أيضاً، حيث تحكي القصة عن واقع عاشته فئة من الناس في أمريكا قبل انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وواقع لا تزال تعيشه فئة أخرى وتعانيه باستمرار، ويتجسد في العنصرية في التعامل مع المهاجرين في أمريكا. الانحياز لقضايا المرأة والدفاع عنها ضد التحرش هو العنوان الرئيسي الذي تستهل به مجموعة النساء من المؤلفة إلى كاتبة السيناريو ليز جارسيا والمخرجة إليزابيث ألين روزنباوم هذا العمل، حيث نرى البطلة كاسي (اختصار لاسمها كاسندرا) تعمل نادلة ومغنية في أحد المقاهي، تتعرض دائماً للمعاكسات والتحرش، وتتمسك بمبدأ عدم السماح لأي زبون بالتمادي في الحديث معها، أو التودد إليها، خصوصاً المجندين الذين يمرون غالباً ويتوافدون على هذه الحانة. وما أن تنهي وصلتها الغنائية حتى تصل فرقة من مشاة البحرية تستعد للانطلاق بعد أسبوعين إلى العراق، ومن بين هؤلاء يصادف وجود صديق طفولتها فرانكي (تشوزن جايكوبز)، ومن خلاله تتعرف إلى لوك (نيكولاس جاليتزين) الذي يحاول الاعتذار عن تمادي بعض الجنود في الحديث معها، لكنه يتحدث بتعجرف واضح، ويردد كغيره من الجنود «أنا أخدم بلدي أنت ماذا تفعلين؟»، ويتصرف الجنود بمضمون هذه العبارة باعتبارهم يضحون من أجل خدمة بلدهم بينما كل المدنيين لا يفعلون شيئاً.

الحوار بين «العسكري» و«المدني» يتكرر في أكثر من موقف، خصوصاً أن كاسي التي تؤديها باقتدار نجمة أفلام ومسلسلات ديزني، صوفيا كارسون في بطولة أولى تخولها الانتقال إلى الصفوف المتقدمة بين نجوم السينما العالمية، مشحونة بغضب يتفاقم في داخلها بسبب سوء المعاملة التي تجدها من بعض الجهات الرسمية والأجهزة الأمنية والشرطية في أمريكا، باعتبارها من المهاجرين، أي أقل فئة من المواطنين الأمريكيين، تمييز تظهره الكاتبة والمخرجة أكثر من مرة، وبشكل واضح، ومباشر في الفيلم؛ ويحتد الحوار في أحد المشاهد، حيث تقع مشادة بين كاسي وأرماندو، أحد زملاء لوك، الذي أراد أن يشرب نخب ذهابهم إلى العراق لقتل العرب، وتعترض كاسي على هذه العنصرية وتجيبه «عليك أن تعرف أولاً من هو عدوك الحقيقي قبل أن تصدر أحكامك». وتركز الكاتبة على عنصرية الشعب الأمريكي الذي يعادي كل الجنسيات الأخرى، ويتعالى عليها ويضعها جميعاً في خانة «العدو».

الرومانسية والمصلحة

الرومانسية تأتي بعد المصلحة، فلقاء كاسي بالمجند لوك لا يشعل شرارة حب بينهما، بل مجرد إعجاب مصحوب بسوء تفاهم، لكن حاجة كاسي إلى إيجاد وسيلة تساعدها في تأمين علاج مرض السكري الذي تعانيه، بعد أن ضاقت بها السبل وتوقفت شركات التأمين عن توفيره لها، وهي تعمل في أكثر من مكان وتستنزف كل طاقتها من أجل شراء «الأنسولين» ودفع إيجار مسكنها، دفعتها إلى عرض الزواج على صديقها فرانكي الذي رفض لأنه مرتبط بفتاة يحبها وسيتزوجها بعد عودته من العراق؛ في المقابل يجد لوك في هذا الزواج مصلحة له تمكنه من تسديد ديونه لتاجر المخدرات الذي يلاحقه ويهدده منذ أن كان لوك مدمناً، وقبل أن يتعالج نهائياً ويلتحق بالبحرية، فيتفقان على ادعاء الحب والتوافق كي يتمما الزواج قبل يومين من سفره مع فرقته إلى العراق.

القصة تأخذ خلفية حرب العراق، وتعرّج على بعض نقاط في قضايا العدالة الاجتماعية الحالية في أمريكا، والنقمة على التأمين الصحي ومعاناة المرضى ومعاناة المهاجرين، بجانب الفكر العنصري وإيهام الأمريكيين بأن هناك عدواً يتربص بهم دائماً، وزواج المصلحة وإمكانية استغلال المزايا التي يتحلى بها الجنود بعد الزواج.. لكن مشكلة الفيلم أنه يقطف من كل قضية أزمة ويحاول جمعها كلها في قالب رومانسي وميلودرامي، فيقع في التشتت حيناً وتفلت منه الأفكار لكثرتها وهي لا تكاد تصل إلى المشاهد، ويتمسك بها حتى تصبح بعيدة وينشغل بقضية ومشكلة أخرى.

«توقعت أن يحصل هذا»، عبارة تكاد لا تفارقنا في زمن صارت السينما العالمية فيه تبحث عن «الكليشيه» لتضمن نجاح ولو جزء من الفيلم، وتضمن تعاطف الجمهور معه، فهناك بعض المواقف التي صارت الجزء الذي لا بد أن يعتمد عليه كل كاتب فيلم أو سيناريو، مثل وفاة الشاب فرانكي اللطيف، والصديق الوفي، والخطيب الذي تنتظره خطيبته بفارغ الصبر كي يتمما فرحهما.. وتتوقع النهاية لكنها تسعد بها، لأنك تدرك منذ البداية أنك أمام فيلم رومانسي ميلودرامي؛ كان من الممكن أن يكون الفيلم أقوى لولا كثرة التنوع في قضاياه، لكنه ناجح ويمكن مشاهدته أكثر من مرة، كما أن ميزة «قلوب مجروحة» أنه سلس بإيقاع سريع، تتخلله فواصل موسيقية لأغان جيدة تناسب مضمون الفيلم وبصوت بطلته صوفيا كارسون.

[email protected]

1

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"