لبنان والانتخابات الرئاسية

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

تبدأ بعد أيام قليلة، في الأول من أيلول/سبتمبر، مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان. الدستور اللبناني يفرض البدء في محاولة انتخاب رئيس للجمهورية قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس، على أن يعتبر منعقداً حكماً في العشرة أيام الأخيرة من الولاية، علماً أن الرئيس الحالي ميشال عون تنتهي ولايته في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.وعلى الرغم من صغر مساحته، وعدد سكانه القليل، وتردي أوضاعه الاقتصادية، فإن انتخاب رئيس للجمهورية ليس أمراً سهلاً، كما قد يُعتقد.

تمتد الولاية الرئاسية أولاً إلى ست سنوات، ولا يحق للرئيس الموجود التجديد لمرة ثانية. لكن إذا تم تعديل الدستور بغالبية الثلثين، يمكن له التمديد للفترة التي يحددها البرلمان نفسه. وحصل ذلك مرتين متتاليتين. الأولى في عهد الرئيس إلياس الهراوي الذي تم التمديد له في العام 1995 لمدة ثلاث سنوات. والثانية في عهد خلفه إميل لحود الذي مُدد له أيضاً لثلاث سنوات في العام 2004. لكن في الحالتين كانت سوريا هي التي تدير شؤون لبنان بتفويض من الخارج.

لكن، بعد انسحاب القوات السورية في إبريل 2005، كان على لبنان أن يواجه مع انتهاء ولاية لحود عام 2007 عجزاً في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بسبب الانقسام المحلي. ونتيجة لذلك، انعقد مؤتمر لبناني في الدوحة عام 2008، انتهى بانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. لكن في العام 2014 عجز البرلمان عن انتخاب خلف لسليمان، واستمر الفراغ الرئاسي حتى العام 2016 مع انتخاب قائد الجيش السابق ميشال عون رئيساً للجمهورية. وبذلك حصل فراغ في الرئاسة للمرة الثانية توالياً. وكان يتم انتخاب قائد للجيش رئيساً للمرة الثالثة توالياً أيضاً من إميل لحود إلى ميشال سليمان إلى ميشال عون. وبات تندراً في أوساط الطائفة المارونية التي يجب أن ينتمي إليها رئيس الجمهورية أن يطمح أحد ما ليكون قائداً للجيش، لتسهل أمامه الطريق لانتخابه رئيساً للجمهورية.

أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً، فهذا عرف منذ استقلال لبنان في العام 1943 وحتى اليوم، كما قبل ذلك في عهد الانتداب الفرنسي، حيث كان كل رؤساء لبنان بين 1926 و1943 من الطائفة المارونية.

لذلك تحول هذا الموقع، رغم أنه محدود الصلاحيات، إلى بؤرة حرب داحس والغبراء بين زعماء الطائفة المارونية، وكان هذا الموقع ولا سيما بعد اتفاق الطائف لعام 1989 سبباً مباشراً لانقسام الموارنة فيما بينهم.

لكن بيت القصيد في لبنان، أن جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يكون نصابها ثلثي أعضاء البرلمان البالغ 128 مقعداً أي 85 نائباً. بمعنى أن أي طرف يمتلك أو «يمون» على 33 نائباً يمكن له أن يعطل جلسات البرلمان. وهذا حصل بين عامي 2007 و2014. والآن وبعد انتخابات 15 أيار/مايو الماضي البرلمانية، خرج البرلمان بخريطة سياسية مشرذمة، بحيث لا يملك أي طرف مع حلفائه غالبية النصف زائد واحد الضرورية لفوز الرئيس، كما لا يستطيع أن يوفر نصاباً يبلغ الثلثين لتنعقد الجلسة، فكل طرف قادر عل تعطيل انعقاد الجلسة. وفي ظل الانقسام السياسي الحاد، فإن الاتفاق على رئيس جديد لانتخابه يبدو من سابع المستحيلات. وبما أن لبنان كان دائماً ملعباً مفتوحاً للاعبين الإقليميين والدوليين، ومع اشتداد الصراعات الإقليمية والدولية، فإن اللعبة تصبح أكثر تعقيداً.

وعلى هذا، فإن أمام الموارنة تحديداً خياراً من اثنين: إما انتخاب رئيس ضعيف تتوافق عليه كل الأحزاب الداخلية والقوى الخارجية، وإما انتظار الفرج لتفاهم الخارج على اسم رئيس جديد. وهنا تظهر بعض الأسماء التي تعتقد أنها توافقية، ويمكن انتخابها للرئاسة مثل سليمان فرنجية، وقائد الجيش جوزيف عون. ويستبعد أن يتمكن مرشح حاد التوجه، سواء من جبهة 14 آذار أو 8 آذار، من الفوز بالرئاسة، وغالباً ما تكون ورقة الرئيس غير معروفة حتى آخر لحظة من موعد الانتخاب. وعليه، فإن لبنان قد يدخل فراغاً قاتلاً تدير البلادَ خلاله وفق الدستور حكومةٌ مستقيلةٌ أصلاً، ما يفتح الباب أمام اجتهادات كثيرة غير دستورية، وقد يؤدي ذلك إلى مشكلات أمنية تضاف إلى مشكلات لبنان الاقتصادية التي جعلته بلداً مفلساً، بعدما أحجمت المصارف عن دفع ودائع زبائنها، بالتواطؤ مع كل الطبقة السياسية والأمنية والقضائية الحاكمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8pnauu

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"