جيل بثقافة عالمية

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

كثيراً ما كنت استمع لجدّي وأبي، رحمهم الله، ولوالدتي، أطال الله في عمرها، عن طبيعة طفولتهم، والظروف الاجتماعية ومكامن التميز في عصرهم، والقيود الاجتماعية التي كانت تتسيّد الموقف، وتحرك الحياة لديهم، فكلمة منقود، وحرام، وفضيحة مصطلحات «موجه أول» للتربية بالنسبة لهم، وكان المجتمع منغلقاً ضيقَ الحدود وقليل العدد.
وكثيراً ما كنت أتمرد على بعض تلك القيود سراً وعلانية، ولم نسلم من العصا، ولم نسلم من التوبيخ، ولا نعرف كثيراً مصطلحات التنمّر، ولا حقوق الطفل، في النهاية كانت تربيتنا ما يريده المجتمع بالإضافة لشي من التمرّد.
كبرنا وتزوجنا، وبدأنا نحن من نحمل لواء المهمة، بدّلنا وطوّرنا بما نراه مناسباً للأبناء، والتي نجزم كما جزم آباؤنا أن هذه الطريقة المثلى للتربية، وعليهم أن يتبعونا فيما نقول ونوجّه، ومن يخالف ذلك فهو متمرّد وربما نصفه بقليل الأدب أو العنيد وغيرها من المسميات، والتي تظهر عدم الرضا من الراشدين لسلوك أبنائهم.
فنحن نوجّه أولادنا لما حُرِمنا منه وتمرّدنا عليه، اعتقاداً منا أنه لا ضرر منه، ومساحة الحرية به كثيراً، ولكن هل اكتفى أولادنا بتلك المساحة من الحرية؟
بالتأكيد لا، فهناك مطالب أخرى، فتمرّدوا سراً وعلانية، واختلفنا في معالجة ذلك التمرد، فمنّا من استخدم الأساليب التربوية الحديثة، ومنّا من كرر نفس الأساليب التي ورثها، والغالب منا من دمج بين هذا وذاك وأنا أحدهم..
ولكن مرة أخرى كان المجتمع سيد الساحة ولكن بانفتاح أكبر.
كيف سيكون الجيل القادم؟
ماهي متطلباته؟ 
ما هي مساحة المجتمع المحيط؟
إذا فرضنا أن جيل أجدادنا اقتصر مجتمعه على الفريج فقط، وجيلنا كان مجتمعه الفريج والمدرسة، وجيل أبنائنا الفريج والمدرسة وبعض العلاقات مع مجتمع آخر.. فما هو المجتمع الذي سيشكل هوية وتوجه الجيل القادم؟
يسمّى هذا الجيل بالجيل الرقمي، وكلما تقدمنا كانوا أكثر التصاقاً بهذا المسمّى، مما يعني أن الجهاز الذكي هو المجتمع الجديد.
وهذا المجتمع متسع جداً فلا جغرافيا تقيّده، ولا لغة تمنعه، ولا قوانين تتحكم فيه، فهو مجتمع جديد يرسم قوانينه بنفسه، ويحدد حجم التمرد بنفسه، فالأبناء يتواصلون ويطّلعون ويتعرّفون على ناس من مختلف الثقافات، ويشاهدون كل جديد، وتتكون شخصياتهم وثقافتهم من ثقافات مختلفة، وهذا الأمر لا ينطبق فقط على أبنائنا؛ بل على هذا الجيل في كل دول العالم..
الجيل القادم ستكون الغلبة فيه للمؤثرين والذين لديهم مهارة على كسب المتابعين، فسيكون جيلاً خليطاً يجمع بين ثقافات عدة، فلن يكون الابن الأمريكي مرضياً للأب الأمريكي، ولن يكون العربي عربياً حسب رؤية الأب العربي، ولا الطالب الفرنسي فرنسياً من نظرة الأب الفرنسي … فكل مجتمع لن يقتنع بالجيل القادم لأنه جيل لا يمثل مجتمع بلده ولا أهله، وسيختار هذا الجيل ثقافته كما يحب، وستتقارب لحد التشابه، وسيخفّ تأثير المجتمع بصورته القديمة في رسم هوية أبنائه.
قرأت الكثير من المقالات والتي تطالب بفرض الرقابة على أجهزة الأبناء، وتكثيف تكريس الهوية الوطنية، وللأمانة هذا مطلب كل الدول، لأن الجميع بدأ يغلق من الطوفان القادم، ولكن هل يكفي هذا الحل؟
وكما يقال، خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، لذا من أراد أن يحافظ على قيمه وثقافته وموروثه، فعليه أن يسلّح الأبناء بمهارات التأثير، ومهارات التواصل، والقدرة على تمحيص الموقف، وقراءة ما بين السطور وما خلفها، جيل يملك القناعة بما لديه ويؤمن به.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3w5auw

عن الكاتب

رئيس مجلس الشارقة للتعليم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"