الموهبة تبني الحضارة وتقتلها

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. سعيد الكعبي

علاقتي بعالم الموهوبين منذ سنوات طويلة من خلال مؤتمر للموهوبين أقيم في دبي، وقررت الإبحار في محيط الموهوب الواسع والتحليق في فضائه الفسيح، وقرأت الكثير من الكتب عنه، وحضرت الكثير من المؤتمرات، ولعل آخرها كان في مصر الحبيبة ونظمه المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين، ولكي أبين أهمية هذا الموضوع، إليكم هذه القصة. 
حمدان وسلمان طالبان في مدرسة واحدة وكل منهما له قصة مختلفة.. حمدان طالب كثير الحركة والحوار، لديه فضول في كل شيء، التزامه بالقوانين قليل، أسئلته مبهمة وعميقة، يعتقد معلّمه أنه يضيع الوقت، اشتكى منه معلّمه أكثر من مرة لإدارة المدرسة، حارت الإدارة في كيفية التعامل معه، وأصبح معروفاً لدى كل موظفي المدرسة بأنه ذلك الطالب المزعج. أما ولي أمره فعلى الرغم من يقينه أن طفله لديه الكثير، وأنه ليس كما يصفه معلموه، فإنه يتضايق وينزعج من الشكاوى الكثيرة التي وصلت إليه لدرجة أنه قرر نقل ابنه إلى مدرسة أخرى. 
المدرسة الجديدة اكتشفت أن حمدان لديه مهارات التواصل، وعنده القدرة على التأثير.. تخوّف البعض من قوة تأثيره في الطلبة، فرضا حمدان يعني رضا أغلب طلاب المدرسة.
معلم متميز تبنّى حمدان، وسخّر موهبته، وأنشأ له منصة على شبكات التواصل، ووجّهه لكي يقدم رسائل إيجابية تخدم وطنه وتخدم أسرته.. بدأ صيت حمدان ينتشر ويكسب المتابعين بالآلاف، أشهر قليلة وأصبح حمدان من مشاهير شبكات التواصل، وبدأ يؤثر في الملايين من الشباب، وأصبح حمدان مثالاً للشاب المجتهد المطور لذاته.
أما سلمان فكان عكس حمدان شديد الهدوء والخجل، وصفه بعض المعلمين بأنه بليد لا يفهم، درجاته في أغلب المواد غير مرضية، يقضّي أغلب وقته منشغلاً بالأجهزة الذكية. فهناك يجد نفسه ويجد عالمه؛ ذلك الهدوء أزعج كل من حوله من معلمين وإدارة وحتى والديه، وأطلق عليه الشاب المنطوي أو الخجول.. تخرّج سلمان في مدرسته، وبسبب ضعف درجاته لم يجد سوى جامعة في قرية صغيرة تقبله في علوم الحاسب الآلي. 
بعد فترة من الزمن تصدر اسم سلمان الصحف العالمية بسبب قدرته الفائقة على اختراق نظام أمني لدولة كبيرة، قبض عليه وحكم عليه بالسجن لسنوات.
مجتمعاتنا تعج بحمدان وسلمان.. في القصة الأولى موهبة استثُمرت، وفي القصة الثانية موهبة هُدمت، ونحن كصناع قرار ومعلمين هم مَن نُعد خلفان ونحن أيضاً من نقتل موهبة فهمان. 
ونحن من نستثمرهم أو نترك الآخرين يستغلونهم بما يريدون.
وفي وطننا الغالي نجد أن ملف الموهبة والموهوبين برز بقوة ووجد الدعم المستحق من قبل القيادات العليا المتمثلة بأصحاب السمو، حكام الدولة، وأولياء عهودهم وكبار المسؤولين، وبدأنا نسمع عن مبادرات متنوعة على المستوى الاتحادي والمحلي، يقيناً من الجميع بقدرة الموهوب على نقل الدولة من مستوى حضاري وثقافي إلى مستوى أعلى، وبدأت الدول تتسابق إلى استقطاب الموهوبين وعمل التسهيلات اللازمة لهم، وهذا مؤشر خير بأن القادم أجمل.
ما ينقص عالم الموهبة في دولتنا هو وجود مظلة اتحادية تؤطر العمل، وتضع له أهدافاً ومؤشرات أداء واضحة، ومخرجات مطلوبة، نحتاج من هذه الجهة إلى أن تضع السياسات فقط وتترك العمل لكل المؤسسات الاتحادية والمحلية. ووجهة نظري وقناعتي أن المدارس ليست المكان الوحيد الذي يكتشف ويرعى الموهوب، فهناك أنواع من الموهبة لا تستطيع المدرسة رعايتها، نحتاج إلى مؤسسة وطنية لاكتشاف الموهوب، ورسم الطريق له لتمكين موهبته، ومن ثم استثمارها بالصورة الصحيحة، فمتى يتحقق هذا الحلم؟

رئيس مجلس الشارقة للتعليم

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

رئيس مجلس الشارقة للتعليم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"