ما بعد الحرب الباردة

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

«انتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة والمنافسة قائمة لتحديد نظام عالمي جديد».. بهذه الكلمات التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يأتي الاعتراف الأمريكي الأول، بهذا الوضوح وهذه الصراحة، بانتهاء النظام العالمي القديم الذي كانت تقوده الولايات المتحدة منفردة.

لكن بلينكن رأى في كلمة له، خلال مؤتمر في واشنطن، أن المنافسة القائمة حالياً هي لتحديد ما سيأتي بعد ذلك، معتبراً أن الولايات المتحدة سيكون لها الدور المركزي في تشكيل النظام العالمي الجديد؛ لأنها تملك الأدوات اللازمة لذلك، ولأنها تعمل على إلحاق «هزيمة استراتيجية» بروسيا في أوكرانيا، كما أنها تعمل على التعاون متعدد الأطراف للتنافس مع الصين.

مشكلة واشنطن أنها تنظر إلى النظام الجديد، الآخذ في التشكل، انطلاقاً من الرؤية والسياسات القديمة ذاتها التي كانت تنتهجها إبان هيمنها على النظام القديم، من دون أن تعترف، بأن العالم يتغير، وأن قبضتها تراجعت في كثير من أنحاء العالم. وبالتالي فهي لا تريد الاعتراف بإمكانية قيام عالم متعدد الأقطاب، يمكنها أن تلعب فيه دور الشريك لا المهيمن، ومن شأنه أن يكون أكثر عدلاً لشعوب العالم، ربما لأن الاعتراف بحد ذاته يؤشر إلى أفول شمس الهيمنة الأمريكية على العالم.

غير أن الواقع مختلف تماماً عما تعتقده الولايات المتحدة، ف«هزيمة روسيا الاستراتيجية» عبر حشد الدعم لأوكرانيا غير مضمونة على الإطلاق، وربما تكون مستحيلة بوجود دولة نووية كبرى، لن تقبل بالهزيمة، في نهاية المطاف، حتى لو أدى ذلك إلى صراع نووي نهايته معروفة لكلا الطرفين.

كما أن حلفاء واشنطن في العالم الغربي منقسمون أكثر مما هم متحدون؛ إذ لا يمكن حجب الخلافات القائمة بين بعضهم، وبينهم وبين واشنطن، خصوصاً أن أوروبا بدأت تسعى بالفعل للخروج من تحت العباءة الأمريكية؛ لأنها باتت تدرك أن المستفيد الأول من الحرب في أوكرانيا هو الولايات المتحدة، وأن الشعوب الأوروبية هي من تدفع فاتورة الحرب في أوكرانيا، فهي تطالب الأوروبيين بتشديد العقوبات على موسكو، وتعدهم بدعم اقتصاداتهم، ولكنها تبيع لهم منتجاتها وبضائعها بأضعاف أضعاف ما كانوا يشترونه بها من روسيا، كما هو حال الوقود والغاز مثلاً.

أما بالنسبة لاحتواء الصين، فيبدو أن واشنطن قد خسرت الرهان فعلاً؛ ذلك أن إعادة انتخاب شي جين بينغ على رأس الدولة والحزب في مؤتمره العشرين، يكرّس النهج الأكثر تشدداً في التعامل مع واشنطن، ولعل مشهد هو جينتاو وإخراجه من قاعة المؤتمر خير دليل على هزيمة دعاة «الإصلاح» والاندماج مع العالم الغربي. وبالتالي، فإن عودة جين بينغ تعني مزيداً من تطوير القدرات العسكرية والاقتصادية الصاعدة، وخلق حالة أكثر تنافسية مع الولايات المتحدة، وهو يتشارك مع روسيا النظرة للنظام العالمي الجديد، ولديه نفس التحديات مع الغرب، ما يعني في النهاية أن رؤية واشنطن للنظام الجديد لن تكون في محلها، إلا إذا اعترفت على الأقل، بأنها على قدم المساواة مع بقية أقطاب العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n984rem

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"