الإمارات.. وشعار الوحدة الوجودي

00:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

لم يكن مونديالاً كروياً فحسب، وإنما كان أيضاً مونديالاً عروبياً قومياً شعبياً وحدوياً، بامتياز. كانت الجماهير الشعبية الموحدة في ساحات المونديال في الدوحة تهتف بصوت واحد، فرحاً وتهنئة وأملاً في المباريات القادمة، وتضرعاً لله العلي القدير، لكل نجاح، من قبل أي فريق كروي عربي. وكانت تلك الجماهير تعبّر عن الحزن والمواساة والتشجيع وتجفيف الدموع لكل خسارة لأي فريق كروي عربي.

ومن خلال تلك الزغاريد، أو تلك الآهات، كان موضوع احتلال فلسطين وآلام شعبها يرتفع عالياً في السماء، لكأن الجموع أرادت أن تقول إن آمال وآلام الشعوب العربية في كل بقعة من أرض الوطن العربي، هي الآمال، والآلام، نفسها، وإننا شعب واحد، لأمة واحدة، في وطن واحد.

قد يبدو أن ما رأيناه كان مظهراً رمزياً، يبرز في وقت محدد، إبان مناسبة مؤقتة، بعفوية لا ديمومة فيها.

لكن الأمر غير ذلك، إذ إنه الدليل القاطع على أن الانتماء لهوية واحدة سيظل يتحرك كشلال هادر عندما تحين الفرصة، بالرغم من شكوك ومؤامرات أعداء تلك الهوية.

ذلك المشهد المونديالي الكروي يجب ألا يمر مرور الكرام، بل يجب أن يعاود طرح سؤال مفصلي، طرحته أجيال عربية عدة عبر أكثر من قرن، وظل يمثل أملاً للملايين، وبوصلة مستقبل لهذه الأمة، وعلى الأخص لشاباتها وشبابها الواعين الحاملين للجمر في أياديهم، وللالتزام النضالي من أجل نهضة عربية شاملة في قلوبهم وعقولهم.

ذلك السؤال المفصلي هو: هل شعار وحدة الأمة شعار وجودي نهضوي ومفتاح لكل الحلول الأخرى، أم أنه حلم يقظة جميل بعيد المنال، كما يدعي الأعداء والمتعبون؟

فإذا كانت الدولة العربية القطرية المستقلة قد جربت عبر عشرات السنين، الاعتماد على الذات وانتهت إلى كونها غير مستقلة، ولا نامية، ولا مندمجة في العصر، وإذا كانت الأنظمة السياسية العربية لا يهمها إلا البقاء في الحكم بعيداً عن تعقيدات الخطوات القومية الوحدوية، فما الذي يبقى من طريق لتسلكه هذه الأمة من أجل أن تخرج من تجزئتها وضعفها واستباحتها وتخلفها؟ بل أكثر من ذلك: هل تستطيع هذه الأمة أن تحل مشاكلها السياسية والاقتصادية ومشاكل تخلفها العلمي والتكنولوجي خارج إطار نوع معقول من الوحدة؟

فإذا كان الجواب بالنفي، فهل آن الأوان إذن، لعودة هذا الشعار ليتصدر المشهد الشعبي العربي، كما كان في الخمسينات من القرن الماضي، وليقود السبيل لتحقيق كل الشعارات الأخرى التي لن ترى النور إلا من خلال تحقق شعار الوحدة الوجودي؟

لعله من قبيل الصدفة الموضحة لما نقول، أن تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع، بعيد اتحادها: عيد وحدة أعضائها السبعة، الذي قاد إلى أن تصبح الإمارات، دولة يشار إليها من قبل العالم كمثال في الصعود الاقتصادي المذهل، وفي إمكاناتها المتنامية إلى الدخول بقوة في عوالم المعرفة والتكنولوجيا، وفي لعب دور سياسي متنام. إننا هنا أمام درس وحدوي يهز الواقع، ويبشر بالكثير، وتحتاج بقية الشعوب العربية إلى أن تتعلم من كل جوانب تطوراته الإيجابية أيضاً.

هنا نحتاج أن نستذكر ونتعلم من الأهمية الكبرى لوجود قيادة حكيمة تمثل الشهامة العربية، وتؤمن بالوحدة، كما كان الحال مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان أبرز المؤمنين بوحدة الإمارات وما هو أوسع من الإمارات السبع، وأكثر المتشبثين بقيام كيان سياسي واقتصادي واحد لها. اليوم، هناك حاجة لوجود أمثال الشيخ زايد من المؤمنين الصادقين بهوية العروبة الجامعة الموحدة، ومن الذين يقلبون الأحلام إلى واقع.

هناك مقترحات عدة مطروحة في الساحة المدنية السياسية العربية بشأن هذا الموضوع سنبرزها في مقالات قادمة، إذ آن أوان طرح هذا الموضوع على نطاق واسع، وبموضوعية عقلانية، وروح عروبية جامعة لإقناع شباب وشابات الأمة بأن تكون الوحدة العربية على رأس كل الشعارات التي يطرحونها حالياً، وفي المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2nvu4fu5

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"