أبوظبي:: آية الديب
مثّلت العدالة الناجزة وسيادة القانون قيمة جوهرية من قيم الاتحاد، وركناً أساسياً في المسيرة الحضارية والتنموية للدولة، حيث اعتبرت المؤسسات القضائية سيادة القانون واحترام تطبيقه المظلة التي تحمي العدالة والمساواة، استناداً إلى المفاهيم السمحة للدين الإسلامي التي أكد الآباء المؤسسون أنها أساس متين في بناء الدولة، وتحقيق سعادة ورفاهية شعبها. وتحتفل الإمارات اليوم بعيد الاتحاد ال51 وسط إنجازات في ميادين العدالة والقضاء، وصلت إلى مستويات قياسية في تحقيق الريادة والتنافسية العالمية، ووصلت معها الإمارات إلى صدارة المنطقة ودول الشرق الأوسط في شفافية نظامها القضائي، ورقيّ الخدمات التي تقدمها المحاكم فيها، وتصدّرها المراتب والمؤشرات العالمية في الكفاءة وسيادة القانون.
كانت وزارة العدل من أوائل الوزارات التي رافقت قيام اتحاد الإمارات، وبعد قيامه شهدت الدولة نمواً بارزاً في بناء مؤسسات النظام القضائي والقانوني، حيث أنشئت الأجهزة القضائية على المستوى الاتحادي والمحلي، سواء كانت محاكم أو نيابات أو لجاناً قضائية وتحكيمية، والتي أسست بنظيم لا يقل عن الأنظمة القضائية العالمية.
العمل بالدستور
بدأت أول نقلة نوعية في العمل القضائي منذ إعلان العمل بأحكام الدستور وتأسيس وزارة العدل، حيث تضمن الدستور فصلاً خاصاً بالقضاء في الاتحاد، وحدّد محاكم الاتحاد وتشكيل المحكمة الاتحادية العليا واختصاصاتها، كما بيّن اختصاص المحاكم الاتحادية الابتدائية وأحال إلى القوانين التي صدرت لاحقاً، العديد من الأمور المتصلة بالعملية القضائية.
وبعد صدور إعلان العمل بأحكام الدستور، وانتخاب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رئيساً للدولة، وكذلك انتخاب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، نائباً لرئيس الدولة، أخذت مسيرة الدولة التشريعية تحدّد ملامحها بتعيين رئيس مجلس الوزراء، ومن ثم فقد تم تشكيل أول مجلس للوزراء في 9 12 1971 الذي عيّن بموجبه الدكتور عبدالله عمران تريم أول وزير للعدل، وصدر القانون الاتحادي رقم 1 لسنة 1972 الذي بموجب المادة 6 منه، تحدّد اختصاص وزارة العدل واتسعت دوائر المحاكم.
قضاء ذكي
وتحتفل وزارة العدل بعيد الاتحاد ال51 العام الجاري في ظل وصولها إلى بنية تحتية قضائية ذكية مواكبة لأحدث التقنيات، تضمن الحقوق والحريات، وتحقق العدالة الناجزة والشفافية والرفاهية، وفقاً لأفضل التجارب والممارسات العالمية، فضلاً عن مساهمتها في تعديل وتشريع القوانين الجديدة، والتطوير المستمر للكوادر القضائية.
وقبل جائحة فيروس كورونا كانت الوزارة تسعى إلى ترسيخ المنظومة القضائية الرقمية والمرنة، التي تضمن عدالة قوية في ظل مجتمع آمن ذي اقتصاد تنافسي، وارتكزت خطواتها إلى تطوير التشريعات المواكبة لتطلعات دولة الإمارات في تقديم خدمات قضائية متطورة ومبتكرة، وحرصت على أن تكون الخدمات الرقمية فيها، آمنة تضمن خصوصية الإنسان، وتحقق له جودة الحياة، وتضمن النزاهة والشفافية.
وتزامناً مع مواجهة أزمة فيروس كورونا واصلت وزارة العدل والمحاكم والنيابات الاتحادية، مسيرة الإنجاز والريادة والتنافسية العالمية، وسعت الوزارة جاهدة إلى جعل محاكم الدولة من أوائل المحاكم القضائية في العالم من حيث التنظيم الداخلي، وسرعة الفصل، وإنهاء المنازعات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، كما بذلت الوزارة والنيابة العامة الاتحادية جهوداً ملموسة في سبيل استمرارية العمل القضائي، وتوفير أفضل الخدمات الحكومية عن بُعد لحماية أمن وسلامة جميع أفراد المجتمع، وتقديم نموذج حضاري مرن للتقاضي في هذه المرحلة.
«الاتحادية» العليا
وبدأت المحكمة الاتحادية العليا عملها عند إنشائها عام 1973 بخمسة قضاة تشكّلت منهم دوائر المحكمة الأربع، وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ بلغ عدد قضاتها سبعة، تألفت منهم خمس دوائر، وفي عام 1995 وصل عدد قضاة المحكمة الأصليين والمناوبين إلى ستة عشر قاضياً توزعوا على سبع دوائر، وفي عام 2004 بلغ عدد القضاة 24 قاضياً توزعوا على تسع دوائر. وتسهم المحكمة الاتحادية بأحكامها في توحيد المبادئ القانونية في شتى التخصصات القضائية، بما يُيسر سبل التقاضي ويحقق العدالة الناجزة.
النيابة العامة
تتميز النيابة العامة باستقلاليتها كسلطة حكم في الدعوى، فهي التي تتولى سلطة الادعاء في الخصومة سواء بالإدانة أو البراءة، ويعتبر 25 7 1973 تاريخ أول تعيين لنائب عام في الدولة، حيث كان في بداية الاتحاد عدد أعضاء النيابة العامة لا يزيد على عدد أصابع اليد. أما اليوم فتضم النيابة إضافة إلى النائب العام، عدداً كبيراً من رؤساء ووكلاء النيابة العامة والمحامين العامين، وانتشرت النيابة العامة في جميع أرجاء الدولة. وتوفر النيابة العامة الاتحادية حالياً أكثر من 40 خدمة رئيسية وفرعية إلكترونية متاحة على منصاتها، لتساعد المتعاملين والمستفيدين على الاستفادة من حزمة خدماتها العدلية.
وخلال النصف الأول من العام الجاري اتخذت النيابة العامة الاتحادية 172 ألفاً و604 إجراءات عن بعد، كما أصدرت النيابة خلال هذه الفترة 1,521 أمراً جزائياً، ونفذت 80,191 طلباً مقدماً إلكترونياً، وأجرت 5,539 تحقيقاً عن بعد.
التوجيه الأسري
وبعد ازدياد عدد القضايا في محاكم الدولة، أمر القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بإصدار القانون الاتحادي رقم 26 لسنة 1999 وتعديلاته، بشأن إنشاء لجان التوفيق والمصالحة في جميع محاكم الدولة، والذي مثّل نقلة نوعية في تطبيق القضاء الشعبي.
وحالياً تعمل مراكز التوجيه الأسري التابعة لوزارة العدل على «عقد جلسات الإصلاح في غير أوقات الدوام الرسمي»، وتسعى الوزارة إلى «تطوير قدرات الموجّهين الأسريين»، إضافة إلى «ضمان الخصوصية وحماية المعلومات الشخصية».
وبلغ إجمالي عدد المستفيدين من خدمات المراكز خلال العامين الأخيرين نحو 23.6 ألف مستفيد.
4 مشروعات
وأطلقت الوزارة 4 مشروعات تستهدف تطوير قطاع التوجيه الأسري، وتسهيل الخدمات المقدمة فيه، أولها إصدار وثيقة سلوك الموجهين الأسريين، والثاني تعين قاضٍ مختص للإشراف على عمل الموجهين الأسريين، والثالث تشكيل فريق لتطوير العمل بلجان التوجيه الأسري، والرابع تخصيص ميزانيات للمبادرات المعنية بالتوجيه الأسري مثل تطوير نظام العدالة الذكي، الذي كان له أثر في عقد جلسات مراكز الإصلاح والتوجيه الأسري افتراضياً، وتدشين منصة بوابة الاستشارات الأسرية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتنظيم دورات متخصصّة للموجهين الأسريين.
عقود الزواج
ويعد نظام الزواج الإلكتروني من أبرز محطات الوزارة ومثّل نقلة نوعية في عقود الزواج، ووفقاً لإحصائيات الوزارة بلغ عدد عقود الزواج 4 آلاف و542 عقداً للزواج في نظام الزواج الإلكتروني خلال العام الماضي، في المحاكم الاتحادية في الشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة.
محامون ومتعاملون
وأطلقت وزارة العدل منصة إلكترونية تفاعلية للاستشارات القانونية، تجمع بين المحامين على مختلف درجات التقاضي، والمتعاملين في جميع أنحاء الدولة؛ إذ تمكّن الأفراد من التواصل مع مكاتب المحاماة عن بُعد، من دون الحاجة إلى زيارة مكاتبهم، وعرض قضاياهم عليهم، ومعرفة عروض الأتعاب المختلفة.
اليوم الواحد
وبناء على قرار المجلس الأعلى للقضاء الاتحادي تم إنشاء محاكم اتحادية جديدة في كل دور القضاء تحت مسمى «محكمة جنح اليوم الواحد»، وذلك للفصل في قضايا الجنح البسيطة استناداً إلى قانون الإجراءات الجزائية، وتختص هذه المحاكم بالفصل في أكثر من 50 جنحة متنوعة.
ضوابط للمحامين
وتزامناً مع التوسع في نظام التقاضي عن بعد أصدر عبدالله سلطان بن عواد النعيمي، وزير العدل، قراراً وزارياً رقم 90 لسنة 2022 بشأن ضوابط عقد الجلسات المرئية عن بعد للمحامين في المحاكم الاتحادية، استهدف تنظيم وضبط حضور المحامين في جميع مراحل الدعوى التي تعقد بوسائل تقنية الاتصال عن بعد.
مكافحة الشائعات
وأصدر وزير العدل خلال العام الجاري قراراً وزارياً بشأن إنشاء النيابة الاتحادية لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تختص بجرائم أمن الدولة، وتتولى التحقيق والتصرّف ومباشرة الدعاوى الجزائية الناشئة عن مجموعة من الجرائم.
وأطلقت الوزارة مؤخراً مشروعين هما المنصة الموحدة لاستلام ومراجعة التشريعات، والشهادات المهنية القانونية، وتعد نظاماً إلكترونياً مطوّراً لاستلام ومراجعة مسودة التشريعات الواردة من الجهات الحكومية المختلفة، والرد عليها عن طريق النظام، مع وجود أدوات تقنية مساعدة لتسريع وتطوير التشريعات المعروضة على وزارة العدل. ومن المتوقع أن تسهم هذه المنصة في تقليص المدة المتوسطة لمراجعة التشريعات الواردة من الجهات الحكومية إلى 15 يوماً فقط. ومن المتوقع أن يسهم مشروع الشهادات المهنية القانونية في رفد القطاع القضائي والقانوني في الدولة، بالكوادر الوطنية المؤهلة والمحترفة بمهنية عالية.
الوكالة الرقمية
وتم إطلاق خدمة إصدار الوكالة الرقمية، ضمن المنصة الرقمية لوزارة العدل، وتمكّن المنصة المتعاملين من إتمام معاملاتهم داخل وخارج الدولة من خلال هذا النظام في وقت وجهد أقل، ودون الحاجة إلى زيارة مقار الكاتب العدل في أنحاء الدولة، ومن خلالها يستطيع المتعامل إصدار وكالاته الرقمية في أقل من 10 دقائق ويتم حفظ الوكالات بصورة آمنة من خلال الربط مع نظام «البلوك شين» والمحفظة الرقمية.
خطة مستقبلية
وفي معرض «إكسبو دبي 2020» أطلقت وزارة العدل خطتها الاستراتيجية للأعوام 2026 2023 ، والتي أكدت مدى الاهتمام الذي أولته القيادة لقطاع العدل، وترتكز الخطة على الابتكار والسعادة والتحول الذكي.
وتركز الخطة على المساهمة في إعداد وتطوير تشريعات وقوانين مرنة واستباقية وتنافسية، وتقديم الدعم القانوني للجهات الحكومية الاتحادية والمحلية، وتعزيز سرعة وكفاءة وشفافية المنظومة القضائية المتخصصة المرتكزة على أفضل الممارسات العالمية والتكنولوجيا الحديثة، وتضمنت الخطة الكثير من المشاريع الاستراتيجية المبتكرة من بينها تطوير المرحلة الأولى من القاضي الافتراضي، ومشروع الحافظة الإلكترونية للسوابق القضائية، والترجمة الفورية الرقمية في جلسات التقاضي، والمنصة الذكية للتدريب القضائي والقانوني.