عادي

مشروع الوصول إلى المريخ.. إنجازات ملهمة ترسخ ثقافة اللا مستحيل

00:33 صباحا
قراءة 7 دقائق

أبوظبي: «الخليج»

قطع مسبار الأمل الإماراتي أكثر من 493 مليون كيلومتر في الفضاء على مدار سبعة أشهر في رحلة وصوله إلى المريخ في 9 فبراير 2021، متوجاً الإمارات خامس دولة تصل للكوكب الأحمر، ومحتفياً بالذكرى الخمسين لقيام اتحاد دولة الإمارات ومبشراً بخمسين عاماً أخرى من النهضة العلمية المستدامة.

وتتواصل مهمة المسبار لسنة مريخية كاملة «687 يوماً أرضياً»، بحيث تمتد حتى أبريل 2023، وذلك لضمان أن ترصد أجهزته كل البيانات العلمية المطلوبة، مع احتمال مد مهمة المسبار سنة مريخية أخرى.

ويوفر المسبار أكثر من 1200 غيغابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ، والتي ستحفظ في مركز للبيانات العلمية في الإمارات، حيث أصدر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ حتى الآن 5 حزم من البيانات العلمية متاحة مجاناً أمام المجتمع العلمي حول العالم.

ويرسخ حوار أبوظبي للفضاء الذي انطلق تحت رعاية صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ويستمر يومين الثقة الكبيرة التي يضعها العالم بقدرات الكوادر الوطنية ويعكس مدى الإسهامات التي تضيفها المشروعات الوطنية في قطاع الفضاء لخدمة البشرية وإفادة المجتمع العلمي العالمي.

وكتب مشروع الإمارات للوصول إلى المريخ فصلاً جديداً يضاف لأمجاد العرب بعقول وأيادٍ إماراتية، تخطى فيه كل الحدود والنطاقات ومحا المستحيل، ليحلق في أرجاء الكوكب الأحمر مبشراً بخمسين عاماً أخرى أو تزيد من النهضة الإماراتية والتميز والتسلح بالعلم والمعرفة، مساهماً في مسيرة العلم العالمية ببيانات وتحليلات توصل إليها نخبة من شباب الوطن قال عنهم صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد «الرهان على شبابنا المسلح بالمعرفة حقق أهم إنجاز علمي عربي في العصر الحديث، وإننا نستطيع تحقيق كل طموحاتنا، مهما بدت صعبة أو حتى مستحيلة»..

ودخلت الإمارات بمسبار الأمل عهداً جديداً من المعرفة والإرادة والتصميم منذ أن أعلن إطلاقه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في 16 يوليو 2014 في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه.

وبإطلاق مسبار الأمل بادرت الإمارات بنقل العرب من موقع المتأثر والمتلقي إلى خانة الفعل والتأثير، وأصبحت ضمن الدول المؤثرة والرائدة والمساهمة في مجال تكنولوجيا الفضاء.

وتحول المشروع من مجرد فكرة في الخلوة الحكومية عام 2013 إلى إنجاز تاريخي يجسد قصة الإمارات الملهمة خلال الخمسين عاماً الأولى لتأسيسها، حيث جعلت قيادة الإمارات «اللا مستحيل» ثقافة وفكراً ونهج عمل في مختلف القطاعات.

وأكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، لدى كشفه عن تفاصيل هذا المشروع العملاق في 2015، أن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ سيكون إضافة إماراتية للمعرفة البشرية ومحطة حضارية في تاريخنا العربي واستثماراً حقيقياً لأجيالنا المستقبلية.وأشار سموّه إلى أن المشروع يبعث بثلاث رسائل: الأولى للعالم بأننا أهل حضارة وكما كان لنا دور سابق في المعرفة الإنسانية سيكون لنا دور لاحق أيضاً والثانية لإخواننا العرب بأنه لا يوجد مستحيل وبإمكاننا منافسة بقية الأمم العظمى ومزاحمتها في السباق المعرفي. فيما تخاطب الرسالة الثالثة شبابنا مؤكدة أن من يعشق القمم يصل إليها وينطلق منها للفضاء، لأنه لم يعد هناك سقف ولا سماء لطموحاتنا.

تحديات عظيمة

أخذت عملية تصميم وبناء وتنفيذ «مسبار الأمل» نحو ست سنوات، شهدت عدداً من التحديات الكبيرة التي تمكنت الدولة من تخطيها باقتدار ومهارة كبيرة، منها الانتهاء من تصميمه في 6 سنوات من أجل إطلاقه في خمسينية الدولة، في حين أن مثل هذا المشروع يحتاج لأكثر من 10 سنوات على الأقل للانتهاء منه.

وكان نقل المسبار إلى محطة الإطلاق في اليابان أثناء تفشي جائحة «كورونا»، تحدياً كبيراً لاسيما في ظل وجود قيود صارمة على التنقل.

ولم يكن التاسع من فبراير 2021 يوماً عادياً في حياة الإمارات والعالم، بل يوماً ستكتب حروفه بمداد من نور، حيث أصبحت الإمارات خامس دولة تصل إلى الكوكب الأحمر ومن المحاولة الأولى.

وشكل وصول «مسبار الأمل» إلى مداره عند الساعة 7:42 مساء 9 فبراير 2021، الاحتفال الأعظم بالذكرى الخمسين لقيام اتحاد دولة الإمارات، وفي الوقت نفسه المناسبة الأفخم التي تؤسس لانطلاقة جديدة لخمسين عاماً مقبلة من النهضة العلمية المستدامة المكللة بأحلام وطموحات لا حدود لها.

واستغرق المسبار نحو 7 أشهر من السباحة في الفضاء حتى دخل إلى مداره حول الكوكب الأحمر، حيث تعدّ تلك هي المرحلة الأصعب في مهمته الفضائية بعد رحلة قطع فيها أكثر من 493 مليون كيلو متر.

بيانات ملهمة

يرسم «مسبار الأمل» صورة جلية وشاملة عن مناخ المريخ، ويرصد ويحلل الأسباب التي أدت إلى تآكل غلافه الجوي وهروب المياه من على سطحه وبالتالي اختفاء فرص الحياة عليه، ولا يكتفي بذلك بل يجيب على أسئلة حيرت العلماء ولم يجدوا لها جواباً نتيجة قلة البيانات والمعلومات حول الكوكب الأحمر.

ويمنح المسبار الباحثين الكثير من البيانات المهمة التي تفسر لهم الكثير من الظواهر، حيث يوفر متابعة يومية لحالة الطقس على الكوكب الأحمر وتفاعل التغيرات في أجوائه من عواصف ودرجات حرارة مع قممه البركانية الشاهقة ووديانه العميقة وصفائحه الجليدية وصحرائه الواسعة.

ويساعد ذلك العلماء على رسم نموذج متكامل للتغيرات الجوية اليومية والموسمية على سطح الكوكب وتفاعلها مع تضاريسه إلى جانب فهم الأسباب العميقة لاختفاء المياه عن الكوكب الأحمر بعد أن كانت متوافرة عليه بكثرة، ويسهم في الوقت نفسه في رسم صورة متوقعة لتغير الغلاف الجوي والمناخ على كوكب الأرض عبر آلاف السنين القادمة، الأمر الذي يساهم في نهاية الأمر في تحقيق استدامة البيئة.

وتتواصل مهمة المسبار لسنة مريخية كاملة «687 يوماً أرضياً»، بحيث تمتد حتى أبريل 2023، لضمان أن ترصد الأجهزة العلمية الثلاث التي يحملها المسبار على متنه كل البيانات العلمية المطلوبة التي لم يتوصل إليها الإنسان من قبل عن مناخ المريخ، وقد تمتد مهمة المسبار سنة مريخية أخرى، إذا تطلب الأمر ذلك، لجمع بيانات أشمل، وكشف المزيد من الأسرار عن الكوكب الأحمر.

تكنولوجيا متقدمة

يتزود «مسبار الأمل» بثلاثة أجهزة علمية مبتكرة، لديها القدرة على نقل صورة متكاملة عن مناخ المريخ وطبقات غلافه الجوي المختلفة، الأمر الذي يمنح المجتمع العلمي العالمي فهماً أعمق للتغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب الأحمر ودراسة أسباب تآكل غلافه الجوي.

وتتوزع الأجهزة بين كاميرا الاستكشاف الرقمية EXI التي يمكنها التقاط صور ملونة عالية الدقة للكوكب الأحمر، وتستخدم أيضاً لقياس الجليد والأوزون في الطبقة السفلى للغلاف الجوي، والمقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء EMIRS، الذي يمكنه قياس درجات الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية في الطبقة السفلى للغلاف الجوي، وأخيراً المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية EMUS، ويقيس الأكسجين وأول أوكسيد الكربون في الطبقة الحرارية للمريخ والهيدروجين والأكسجين في الغلاف الخارجي للمريخ.

وترصد هذه الأجهزة، كل ما يتعلق بكيفية تغير طقس المريخ على مدار اليوم، وبين فصول السنة المريخية، ودراسة أسباب تلاشي غازي الهيدروجين والأوكسجين من الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ، والتي تشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزيئات الماء، وكذلك تقصي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلى والعليا لكوكب المريخ، ومراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، مثل العواصف الغبارية، وتغيرات درجات الحرارة، فضلاً عن تنوّع أنماط المناخ تبعاً لتضاريس الكوكب المتنوعة.

إنجازات مدهشة

يمد مسبار الأمل، العلماء والباحثين بأكثر من 1200 غيغابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ، التي تحفظ في مركز للبيانات العلمية في الإمارات، ويفهرس الفريق العلمي للمشروع هذه البيانات المتاحة للبشرية للمرة الأولى، ويحللها ويشاركتها مجاناً مع المجتمع العلمي المهتم بعلوم المريخ حول العالم في سبيل خدمة المعرفة الإنسانية.

ولم يكتفِ المسبار بإثراء المعارف البشرية بكمية كبيرة من المعلومات والبيانات، بل أدهش العالم بما حققه من إنجازات غير مسبوقة بمجرد أن أخذ مداره حول المريخ، حيث أرسل في اليوم السادس من الوصول، أول صورة للكوكب الأحمر التي التقطت عند شروق الشمس وأظهرت بركان «أوليمبوس مؤنس»، الذي يعدّ أكبر بركان على كوكب المريخ وأكبر بركان في المجموعة الشمسية.

وتواصلت الإنجازات العلمية التي قدمها المسبار في يونيو 2021 عندما كشف عن الصور الأولى من نوعها في تاريخ البشرية التي تعطي صورة شاملة لظاهرة الشفق المنفصل في الغلاف الجوي للمريخ أثناء الليل باستخدام الأشعة فوق البنفسجية البعيدة.

حزم بيانات مجانية

حتى الآن، أصدر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ 5 حزم من البيانات العلمية بلغ حجمها 1200غيغابابت في إطار التزامه بمشاركة هذه البيانات وإتاحتها مجاناً للمجتمع العلمي في العالم.

تضمنت الحزمة الأولى صوراً فريدة للمريخ ترصد ملاحظات غير مسبوقة عن سلوك غازات الغلاف الجوي للكوكب الأحمر والتفاعلات التي تحدث بينها، وأظهرت اختلافات كبيرة في وفرة كل من الأكسجين الذري وأول أكسيد الكربون في الغلاف الجوي العلوي للمريخ في الجانب النهاري من الكوكب.

وغيرت الاكتشافات الجديدة التي وفرتها الحزمة الأولى المفاهيم السابقة للعلماء حول توزيع الضوء فوق البنفسجي المنبعث من الغلاف الجوي العلوي للمريخ، حيث تظهر وجود هياكل شاسعة لوفرة الأكسجين الذري التي تختلف في مستوياتها عن المتوقع وتشير أيضاً لاضطرابات جوية غير اعتيادية في الغلاف الجوي.

وأفصحت الحزمة الثانية عن معلومات مهمة تساعد المجتمع العلمي على استحداث نماذج علمية أكثر دقة للغلاف الجوي للمريخ وتساهم في فهم أعمق لتغيراته.

وتساعد الحزمة الثالثة، الخبراء والعلماء على توسيع فهمهم حول التغير المناخي على الكوكب الأحمر، خاصة وأن كاميرا الاستكشاف الرقمية رصدت 9 صور يوم 22 نوفمبر 2021، تم التقاط كل واحدة منها بفارق زمني بلغ 5 دقائق عن سابقتها؛ إذ إن هدف هذه الصور يتمحور حول دراسة حركة الرياح، ومراقبة ظاهرة تشكّل الغيوم، وحركة عواصف الغبار.

وقدمت الحزمة الرابعة مجموعة جديدة من الملاحظات العلمية الخاصة بالغلاف الجوي لكوكب المريخ، ومن أبرزها الملاحظات التي رصدها المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية «EMUS» للمسبار وتوفر تغطية أفضل لشفق المريخ، كما رصد المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية جسيمات الطاقة الشمسية والأشعة الكونية المجريّة من خلال تجربة أجراها عبر مراقبة ما يلتقطه الجهاز وهو مغلق.

حقائق وأرقام

مسبار الأمل.. قفزة علمية عالمية بأيادٍ إماراتية

حقائق علمية:

الوزن:1500 كيلو غرام (متضمناً الوقود)

الأبعاد:2.37 متر عرض، 2.90 متر طول (باستثناء الألواح الشمسية).

الهيكل: مجسم مصنوع من الألمنيوم مزوّد بألواح خفيفة الوزن تصميمه يشبه خلية النحل.

الألواح الشمسية: لوحان قابلان للفتح بقدرة 600 واط.

اللّاقط الهوائي: لاقط عالي القدرة مع صحن هوائي قطره 1.5 متر قابل للتوجيه

لاقطات إضافية منخفضة الاستقطاب غير قابلة للتوجيه.

سعة موجة نقل البيانات: 1.6 ميغا بيت في الثانية عند أقرب نقطة بين المريخ والأرض.

مجسّات الرصد: متعقّب النجوم، مجسّات شمسية.

الدافعات:

من 4 إلى 6 دافعات كبيرة بقوة 120 نيوتن تستخدم للتسريع والتبطيء

من 8 إلى 12 دافعات صغيرة مزودة بنظام تحكم بالاتجاه بقوة 5 نيوتن تستخدم لإعادة توجيه المسبار بدقة.

تحديد المواقع: مجموعة من عجلات التحكم الداخلية وظيفتها تدوير المسبار حول 3 محاور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nrcd5ud

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"