عادي

كرة القدم من منظور مختلف

22:35 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

يؤكد ميكائيل كوربا في كتابه «تاريخ شعبي لكرة القدم»، ترجمة محمد عبد الفتاح السباعي، أن كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، لأنها ببساطة غيّرت في المفاهيم والعلوم التي يتم تدريسها، في كليات السياسة والاقتصاد، فالتعريف التقليدي للبلد والقائم على الشعب والدولة والحكومة والإقليم، يتضمن الآن عنصراً إضافياً لا غنى عنه لاكتماله: الفريق الوطني لكرة القدم.

وحتى في حالة عدم وجود أمة كتجمع سياسي مستقل، فضلاً عن دولة ذات سيادة، فإن كرة القدم تمنح الفرصة لتمثيل تنافسي على خريطة العالم، حيث يشجع الاتحاد الدولي لكرة القدم أكثر من الأمم المتحدة، أعضاءه على الدخول في المنافسة في إطار لعبة العولمة، وليس أدل على ذلك من أقاليم ومستعمرات لم يتم قبول أوراقها في الأمم المتحدة، لكن باتت معتمدة في الفيفا.

ويوضح الكتاب أن الأمم المتحدة تضم اليوم في عضويتها 193 دولة، بينما يضم الفيفا 209 أعضاء، من بينهم ممثلون لدول لا تتمتع بالسيادة مثل أروبا (جزيرة تقع جنوب البحر الكاريبي)، وجزر كايمان وتاهيتي، وهي أقاليم خاضعة سيادياً لهولندا وبريطانيا وفرنسا على الترتيب.

وعندما تأهلت أنغولا التي حصلت على استقلالها من المستعمر البرتغالي في عام 1975 لكأس العالم 2006 تم الاحتفال بالحدث في شوارع لواندا بالغناء «نحن دولة»، كما أن جنوب السودان كان حريصاً في 10 يوليو/ تموز 2011 وهو اليوم التالي مباشرة لإعلان قيام الدولة، على أن يلعب أحد عشر لاعباً، يمثلونه بنشيد وطني وعلم مختلفين، مباراة على ملعب ترابي في العاصمة جوبا.

ولدت كرة القدم معولمة، إذ حملها البحارة الإنجليز إلى شواطئ العالم، ويشير المؤلف إلى أن علم «سوسيولوجيا المدرجات» تطور، إذ يقول مشجع قديم لبرشلونة: «لم أعد أعرف من يجلسون حولي في المدرجات، نصفهم غرباء، والأمر يتطور مع نهاية كل أسبوع».

ذلك التحول الهائل الذي طرأ على الاستادات يسير جنباً إلى جنب مع سخط أوساط الطبقة الشعبية التي تم إبعادها عن الساحات الرياضية، ولم يتبق لها سوى المشاهدة عبر الشاشات.

ويرى المؤلف أن قوة الجذب لكرة القدم تنبع من بساطتها، حيث إن قواعدها الأساسية موجزة، بشكل خاص، ومنذ تقنينها لأول مرة عام 1863 لم يطرأ على قوانينها سوى بعض التغييرات الهامشية، وتتطلب ممارستها وسائل بسيطة.

ويعد ركل الكرة مصدر سعادة صافية، تكمن ينابيعها الرئيسية في روح الفريق، وتدوير الكرة كعمل جماعي على أرضية الميدان، وكذلك الانخراط الجسدي في المواجهة، وكذلك البحث عن الجماليات في «اللمحات الجيدة»، وكما كان سقراط يردد دائماً، وهو لاعب كرة قدم برازيلي مشهور بمواقفه السياسية: «الجمال يأتي أولاً، الانتصار ثانياً، والمهم هو الفرح».

وبما أنها عرض مسرحي، فإن كرة القدم تستمد شعبيتها من قوتها الدرامية، فكل مباراة تحترم مبادئ المسرح الكلاسيكي: وحدة المكان، ووحدة الزمان، ووحدة الحركة، وكل مباراة هي حبكة ذات جرعة مكثفة من الدراما، التي تكتب نهايتها أمام أعين المتفرجين المتيقظين، للسعي خلف الكرة بين فريقين متنافسين.

وفي أثناء اللعب يمكن، وخلال بضع ثوان، أن تتبدل المشاعر من الفرح العارم إلى الإحباط، ومن الخوف إلى الأمل، ومن الغضب إلى الشعور بالظلم، ويلخص اللاعب الأرجنتيني خورخي فالدانو ذلك الأمر بقوله: «كرة القدم هي الشعور بعدم اليقين وإمكانية الاستمتاع».

ويبحث هذا الكتاب في كرة القدم الاحتجاجية المهمشة، وكذلك كرة القدم الاحترافية المؤسسية، إذ إن تتبع التاريخ الشعبي لهذه الرياضة يقضي بتجاوز ثنائية «كرة القدم العشوائية»، و«كرة القدم التقليدية»، ولا يجب الاعتقاد في وجود حدود مغلقة بين هذين العالمين لكرة القدم، بل هي حدود متحركة، إذ إن تاريخ كرة القدم هو تاريخ من التعافي والإبداع المستمر.

ويراهن الكتاب على أن كرة القدم تبقى رافعة هائلة، تنتعش من خلالها السلطة على حساب حياتنا وأجسادنا، لكن في الوقت الذي تسحق فيه الليبرالية الاقتصادية الأفراد، وتترجم كل حركة من حركاتنا الاجتماعية إلى مصدر للربح، تبقى كرة القدم مرادفاً لكرم أخلاق مشترك.

وتظل اللعبة ممارسة فيها لفتات غير ربحية بطبيعتها، وحيث التطور الفردي لكل لاعب هو رافد لحركة جماعية للفريق، ومثال ذلك الأنشودة الأسطورية لجماهير فريق ليفربول: «رغم ما تتعرض له أحلامك من سوء معاملة وقسوة الرياح، فلتستمر في المشي، استمر في المشي، حاملاً الأمل في قلبك، استمر في المشي، ولكنك أبدا لن تمشي وحدك».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58jpaxww

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"