إضفاء الطابع المحلي يعزز فرص التجارة الإلكترونية

22:00 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد باقر *

أسفرت نتائج تقرير صدر مؤخراً، عن غرفة تجارة دبي حول صحة قطاع التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات، عن بعض المفاجآت. وأكدت الدراسة المسار التصاعدي للتسوق عبر الإنترنت في الإمارات، والذي تجاوز 4,8 مليار دولار في عام 2021 مقارنة ب 2,6 مليار دولار في عام 2019.

وكان أبرز ما كشف عنه التقرير هو المكانة المهيمنة لمواقع التجارة الإلكترونية المحلية في السوق المحلي، والتي شكلت 73% من إجمالي المبيعات في عام 2021.

تتمتع متاجر التجزئة المحلية بميزة يفتقر إليها المنافسون الدوليون، والتي تتمثل في إلمامها وفهمها بشكل أفضل لظروف السوق المحلية، والثقافة واللغة والفوارق الاجتماعية. وهذا هو السبب الذي جعل العلامات التجارية العالمية الكبرى تبحث عن شركاء محليين للاستفادة من معارفهم وخبراتهم المحلية وبصمتهم الإقليمية. وهذا ما جعل العلامات التجارية تفخر بالشراكة مع الشركات المحلية، لأنها لا تمهد السبل للوصول إلى الأسواق فحسب، بل تعمل أيضاً على تمكين المزيد من النجاح للأعمال من خلال الاستفادة من حضورها وخبرتها الواسعة والمتنامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا.

وتمتد هذه المعرفة لتشمل تقدير التركيبة المحلية للسكان وعاداتهم الفريدة في التسوق. وبشكل أكثر تحديداً بالنسبة لدولة الإمارات، فإن ذلك يعني الفهم والإلمام بالمتسوقين الأصغر سناً. لقد تفوق الجيل «زد» «Z» على جيل الألفية العام الماضي على مستوى العالم، وبات يمثل الآن 32% من سكان العالم، و21% في دولة الإمارات. ويشكل هذا الجيل قوة إنفاق إجمالية تقارب 100 مليار دولار على مستوى العالم. وبالتالي، تتطلع العلامات التجارية إلى فهم الجيل «زد» «Z» بشكل أفضل، حيث تسهم عاداته الاستهلاكية في تحديد ورسم ملامح مشهد التسوق.

ويعد الجيل «زد» «Z» (وهم مواليد الفترة بين 1997-2012) فئة سكانية مميزة وفريدة من نوعها تستجيب لمجموعة محددة من المحفزات. وظاهرياً، يركزون على القيم والاستدامة، ويتطلعون إلى ما وراء المنتجات لفهم ثقافة العلامة التجارية. وتعد العلامات التجارية التي يتردد صداها مع هذا الجيل، هي تلك التي يمكنها التعبير بوضوح وصدق عن هذه الرسالة.

وتوضح «نايكي» أن هذه العلامة التجارية لا تزال هي العلامة الأولى لمتسوقي الجيل «زد» «Z»، ليس فقط بسبب الملابس غير الرسمية الحديثة والأحذية العصرية، ولكن أيضاً بسبب تأييدها للتغيير الاجتماعي. وعلى نطاق إقليمي، أطلقت علامة «سن آند ساند سبورتس» (SSS) سلسلة متاجر التجزئة الرياضية في منطقة الشرق الأوسط، مؤخراً استراتيجية «SSS 3.0»، لتشجيع الشباب على الاستمتاع بالرياضة تحت شعار «Fun to the Finish» مع تبنّي نهج أكثر شمولية للصحة واللياقة البدنية.

كما يمثل فهم كيفية تفاعل السكان المحليين مع مساحات البيع بالتجزئة أمراً مهماً في تحقيق الفوز والنجاح. ويختلف قطاع التجزئة في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي عن مثيله في الغرب، حيث تلعب مراكز التسوق هنا دوراً اجتماعياً وثقافياً مهماً، ولا يقتصر على مجرد وجهة للتسوق.

وعلى الرغم من أن التسوق عبر الإنترنت يشهد نمواً سريعاً، إلا أنه سيشكل 12,6% فقط من إجمالي مبيعات السوق بحلول عام 2026. ويوضح هذا التطور أهمية تجارة التجزئة التقليدية على المدى الطويل، والتي تنمو جنباً إلى جنب مع التسوق عبر الإنترنت.

واستجابة لذلك، تقوم متاجر التجزئة بإعداد نماذج تسوق متعددة القنوات تستفيد من الابتكارات الرقمية والاتصال الشخصي بالأعمال التي يوفرها التسوق داخل المتجر. ويجب أن تسعى الاستراتيجية المثالية الشاملة إلى تكرار نماذج آنية ولحظية المتجر التقليدي في بيئة عبر الإنترنت، مع القدرة على الاستجابة الفورية لاحتياجات العميل، وتقديم اقتراحات دقيقة في حينها، والتوصية بالبدائل التي يمكن أن تشجع العميل على اختيار خيار آخر، أو شراء شيء إضافي.

وبالتالي، فإن وضع استراتيجية شاملة وفعالة متعددة القنوات يسهم في سد الفجوة بين تجارب البيع بالتجزئة في شكلها المادي والافتراضي، حيث يكمل الاثنان بعضهما بعضاً، خاصة وأن المشترين يبحثون بشكل متزايد عن المنتجات عبر الإنترنت ثم يزورون المتجر لرؤيتها ولمسها، ومن ثم إتمام عملية الشراء.

ومع ذلك، يجب على متاجر التجزئة ألا يقتصر استخدامها على استراتيجية واحدة تناسب جميع المتسوقين عبر الإنترنت. وتسهم استراتيجية التسوق متعددة القنوات في تمكين متاجر التجزئة من استخراج البيانات والاستفادة منها في الحصول على رؤى قيّمة. وتُعد هذه الأفكار ضرورية لزيادة التخصيص وإضفاء الطابع الشخصي في عملية التسوق، وهو أمر أساسي للحفاظ على ولاء العلامة التجارية في العصر الرقمي.

ويمكن للعملاء اليوم الوصول إلى آلاف العلامات التجارية، محلياً ودولياً. وتتيح زيادة التخصيص لمتاجر التجزئة معاملة العملاء كأفراد يتمتعون بأذواق وتفضيلات مميزة، بما يمكّن العلامات التجارية ومتاجر التجزئة من تقديم تجربة فريدة للعملاء تختلف من متسوق لآخر من خلال الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الفورية.

ويسهم هذا الاهتمام بالتفاصيل في بناء وترسيخ الولاء للعلامة التجارية والعلاقة القوية مع العملاء، بما يُشعرهم بتلبية احتياجاتهم والاستجابة لطلباتهم. وتُظهر دراسة ل«بوسطن كونسلتينج جروب» أن متاجر التجزئة شهدت زيادة بنسبة 25% في الإيرادات استناداً إلى «مؤشر نضج التخصيص» بسبب قدراتهم المتقدمة في التخصيص.

ويعد التحول الرقمي أمراً راسخاً ضمن الخطط الاقتصادية الوطنية لدولة الإمارات. وتساهم رقمنة قطاع البيع بالتجزئة، الذي يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد المحلي، في تحقيق هذه الأهداف بشكل كبير. ومع ذلك، لتحقيق أقصى الفوائد الممكنة من التجارة الإلكترونية، تحتاج متاجر التجزئة إلى زيادة التخصيص وإضفاء الطابع المحلي والشخصي على تجارب التسوق.

وفي نهاية الأمر، سيكون المستهلكون هم الفائزين وسيعود كل ذلك عليهم بالنفع والفائدة، من خلال الاستفادة من المزيد من الراحة، والحصول على قيمة أفضل مقابل ما ينفقونه من أموال، واستجابة متاجر التجزئة لطلباتهم وليس العكس.

* نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «جي إم جي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycx693n9

عن الكاتب

نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «جي إم جي»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"