عادي
جان ميليه أحد أبرز فناني فرنسا في القرن ال 19

«مزارعو البطاطا».. الرسم يدين حياة الريف القاسية

19:39 مساء
قراءة 4 دقائق
لوحة «مزارعو البطاطا»

الشارقة: عثمان حسن

يعتبر الفنان الفرنسي جان فرانسوا ميليه (4 أكتوبر 1814 - 20 يناير 1875) أحد مؤسسي مدرسة «باربيزون»- الاسم يعود إلى مقاطعة شهيرة في ريف فرنسا- ويشتهر بلوحاته التي صورت الحياة القاسية للمزارعين الفلاحين، وهي اللوحات التي صنفت باعتبارها جزءاً من حركة الفن الواقعية.

في السنوات الأخيرة من حياته المهنية أصبح مهتماً بشكل متزايد في رسم مناظر طبيعية ناصعة، وهو فنان عرف بلوحاته الزيتية ومعروف أيضاً بألوان الباستيل، ورسومات الطباشير الملون، والنقوش.

كان ميليه أول طفل لجان لويس نيكولا وإيمي هنرييت أديلايد هنري ميليت، وهما من مزارعي قرية «غروشي» بالقرب من نورماندي، وبسبب سوء أوضاع العائلة المادية، اضطر إلى مساعدة والده في العمل بالمزرعة، من هنا، نفهم ميله إلى رسم حياة المزارعين والفلاحين في الحقول فقد كانت مهنة الزراعة مألوفة لديه، من تجهيز التبن وربط الحزم والدراسة والتذرية ونشر السماد والحرث والبذار...الخ.

في عام 1833، أرسله والده إلى شيربورج للدراسة مع رسام بورتريه اسمه بون دو موشيل، وبحلول عام 1835 كان يدرس مع تيوفيل لانجلوا دي شيفريفيل وهو تلميذ البارون غروس، في شيربورج.

**مدرسة

انتقل ميليه إلى باريس عام 1837، حيث درس في مدرسة الفنون الجميلة مع بول ديلاروش. في عام 1839 أنهى دراسته، وبدأ في تقديم لوحاته إلى صالونات الفن.

قبلت واحدة من رسوماته في أحد الصالونات عام 1840، فعاد إلى شيربورغ ليبدأ حياته المهنية كرسام بورتريه. في العام التالي تزوج من بولين فيرجيني أونو وانتقلا معاً إلى باريس. قدم لوحة ثانية إلى صالون آخر عام 1843 لكنها رفضت، في عام 1845 وبعد وفاة زوجته الأولى، انتقل ميليه إلى لوهافر مع كاثرين لومير، وتزوجها في حفل مدني عام 1853، فأنجبا 9 أطفال. في لوهافر، رسم قطعاً فنية صغيرة الحجم وعدة بورتريهات قبل أن يعود إلى باريس.

في باريس ارتبط بصداقة مع مجموعة من الفنانين: (كونستانت ترويون، نارسيس دياز، تشارلز جاك، تيودور روسو) وهم نخبة المدرسة الواقعية.

اهتم ميليه في ميله الواقعي برسم حياة الفلاحين، وكان أول نجاح حقيقي في عام 1847، وخلال هذه الفترة قدم بعض اللوحات التي قوبلت بسخرية النقاد والجمهور على حد سواء، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة شغفه بالرسم الذي توج بالنجاح منذ عام 1849، حين رسم لوحة «الحصادين» وفي ذات العام عرضت له لوحة «الراعية جالسة على حافة الغابة» وهي لوحة زيتية صغيرة جداً تمثل تحولاً عن الموضوعات الرعوية المثالية السابقة، لصالح نهج أكثر واقعية. بعد ذلك استقر في «باربيزون» مع كاثرين وأطفالهما، واصل تقديم أعماله الناجحة مروراً بمنتصف خمسينات القرن التاسع عشر وما بعده، وخلال هذه الفترة أنجز ميليه لوحة «مزارعو البطاطا» في 1861، التي تنتمي إلى سلسلة من اللوحات الناجحة له مثل: «حظيرة الأغنام»، التي عكست حرفية اشتغاله على ضوء القمر الخافت، وهو يلقي بظلاله على السهل بين قريتي باربيزون وشيلي، وهذه اللوحة محفوظة في متحف «والترز» للفنون، ومن لوحاته أيضا «استراحة الحصاد» وهي محفوظة في متحف الفنون الجميلة، في وسطن وأنجزها ميليه في 1850، وهناك أيضاً «المرأة التي تحضر الخبز» في عام 1854، في متحف «كرولر مولر».

في زمن فرانسوا ميليه، كان يعتبر العديد من الناس أن البطاطا هي غذاء غير صالح حتى للحيوانات، لكن هؤلاء الفلاحين كانوا يزرعون البطاطا لأنفسهم ليأكلوها.. وعن ذلك كتب ميليه: «لماذا يجب أن يكون عمل زارع البطاطا أقل إثارة للاهتمام أو أقل نبلاً وكرامة من أي نشاط آخر؟».

من هذا السؤال نبع اهتمام ميليه برسم حياة الفلاحين، وفي لوحة «مزارعو البطاطا» نجح في إبراز الواقع القاسي لحياة هؤلاء المزارعين، وهو واقع مشوب بالكدح والجمال والكرامة، حيث تظهر في اللوحة تلك الشخصيات المتناغمة ذات الإرادة والتصميم القوي أمام منظر طبيعي ضبابي بدأ للتو في التحول إلى اللون الأخضر في شمس الربيع.

في اللوحة تأثيرات مهمة من انتقال ميليه من المرحلة الرمزية في تصوير حياة الفلاحين إلى تلك الخاصة بالظروف الاجتماعية المعاصرة، وهي التي تشبه في ملمحها الواقعي عدداً من لوحاته المعروفة مثل: «رجل مع عربة يدوية (1855) وامرأة تمشط صوف وأنجزها بين عامي 1855و1857.

*إلهام

شكلت التجربة الفنية لميليه مصادر إلهام لعدد من الشعراء والفنانين، بينهم الرسام الشهير فنسنت فان جوخ، لا سيما خلال سنوات نشاطه المبكرة، وأعمال ميليه مذكورة بكثرة في رسائل فان جوخ لشقيقه ثيو، وقد كانت المناظر الطبيعية لا سيما المتأخرة لميليه نقاطاً مرجعية مؤثرة للوحات كلود مونيه الخاصة مثل«شاطىء نورماندي»، كما أثر المحتوى الشكلي والرمزي لرسومات ميليه على أعمال الفنان جورج سورات، وقد كان ميليه هو البطل الرئيسي في المسرحية الخيالية لمارك توين«هل هو ميت؟»(1898).

وألهمت واحدة من أعمال ميليه بعنوان: «الرجل مع المجرفة» الشاعر إدوارد ماركهام ليكتب قصيدة شهيرة بذات العنوان في (1898)، كما تأثر به كذلك الشاعر الأمريكي ديفيد ميدلتون.

1
جان ميليه
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3pwa59ds

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"