عادي

جائزة «الدكتور سلطان القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي» إلى العرض الإماراتي «رحل النهار»

الدورة المقبلة من مهرجان المسرح العربي في بغداد

16:23 مساء
الصورة
مشهد من العرض الإماراتي الفائز «رحل النهار»
الصورة
مشهد من العرض الإماراتي الفائز «رحل النهار»

الدار البيضاء: «الخليج»

فاز العرض الإماراتي «رحل النهار» من تأليف إسماعيل عبد الله، وإخراج محمد العامري لمسرح الشارقة الوطني بجائزة «الشيخ الدكتور سلطان القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي»، جاء ذلك في ختام الدورة الرابعة عشرة من مهرجان المسرح العربي في مدينة الدار البيضاء المغربية. وأعلنت الهيئة العربية للمسرح أن الدورة المقبلة من المهرجان ستقام في يناير 2024 في العاصمة العراقية بغداد.

حضر حفل الختام في مسرح «محمد السادس» عبد الله العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، وإسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة، وأحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح في الدائرة. وتضمن الحفل عدة فقرات فنية واستعراضية، وشهد تكريم جميع الفرق المشاركة في المهرجان.

وقرأ رئيس لجنة التحكيم الدكتور مدحت الكاشف، تقرير اللجنة الذي أشاد بمختلف القضايا التي طرحتها العروض المشاركة في المهرجان، خاصة أنها تمس الواقع العربي بمختلف إشكالياته، وطالب التقرير الفرق المسرحية بضرورة العناية باللغة العربية الفصحى، ودعا الهيئة العربية للمسرح إلى استضافة مسرحيات غربية حتى يتمكن الفنان العربي من الاحتكاك بواقع «أبو الفنون» في العالم، ونوه التقرير بخمسة عروض في المهرجان، وهي: «شاطارا»، المغرب، و«خلاف»، العراق، و«الروبة»، تونس، و«بريندا» المغرب، وقد فاز عرض «رحل النهار» لما تميز به من طرح فكري قوي وواضح ورؤية جمالية استطاعت أن تجذب المشاهد.

ساحة فنية

وعلى مدار أسبوع تحولت مدينة الدار البيضاء إلى ساحة مسرحية مفتوحة، ففي كل صباح استضاف مقر إقامة ضيوف المهرجان عدة مؤتمرات صحفية عن العروض التي تقام في المساء على خشبات مسارح «محمد السادس» و«محمد زفزاف» و«مولاي» رشيد، يعقبها ندوات تطبيقية تحلل العروض من مختلف جوانبها. وعلى هامش المهرجان ناقش المؤتمر الفكري التجربة المسرحية في المغرب: تاريخها وحاضرها وما يمكن أن تقدمه في المستقبل، وأصدرت الهيئة العربية للمسرح 14 كتاباً حول هذه التجربة. ونظمت معرضاً ضم معظم إصداراتها حول المسرح في مختلف البلدان العربية.

وكرّم المهرجان عشرة من أبرز فناني المسرح المغربي، ونظم عدة ورش، منها: «تقنيات التمثيل الصوتية» للدكتور انتصار عبد الفتاح من مصر، و«هكذا يشتبك المسرح مع واقعه» لعبير علي من مصر، و«النص المسرحي والموروث الثقافي» لمفلح العدوان من الأردن، و«الاقتصاد والذكاء السينوغرافي» لجبار جودي من العراق، و«حين تتسع الرؤية تضيق العبارة» لسعيد سلامة من فلسطين.

وكان لافتاً في المهرجان الطرح الفكري والجمالي المميز للكثير من العروض، والتي تطرقت إلى ما تشهده مجتمعات بعض الأقطار العربية من تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية، دفعت الشباب إلى الرحيل أو اللجوء أو الهجرة، وأبرزت بعض العروض قبح الجماعات المتطرفة التي تتستر وراء الدين لتحقيق أغراضها، وكيف تستغل أزمات مجتمعاتنا، لتحقيق أغراضها السياسية، وغرقت بعض العروض في قضايا فلسفية تتطلب التأويل وتدفع المشاهد إلى التفكير. وبدا لافتاً أن هناك أزمة في راهن النص المسرحي العربي، فالعديد من العروض اعتمدت على نصوص قديمة، روائية ومسرحية، لغسان كنفاني وتوفيق الحكيم وداريو فو، وصمويل بيكيت، واستعاد بعضها الأسطورة أو التراث الشعبي أو الصوفي.

وجاء الاشتغال السينوغرافي في بعض العروض، ليؤكد أن المسرح ليس رسالة فكرية وحسب، ولكنه رؤية بصرية بالدرجة الأولى تهدف إلى إمتاع المشاهد، حيث لعب المخرجون على الإضاءة والديكور والموسيقى، لإبراز ما يجول في داخل الإنسان من تناقضات وصراعات. أما الأداء التمثيلي فتميز بالهدوء واستطاع بعض الممثلين التواصل مع الجمهور من خلال حركات الجسد وتعبيرات الوجه.

وفي افتتاح المهرجان أثارت رسالة اليوم العربي للمسرح، الذي يصادف العاشر من يناير من كل عام، وألقاها المخرج العراقي جواد الأسدي الكثير من التعاطف وردود الفعل، إذ لم تقتصر رسالته على أوضاع المسرح أو الفن، ولكنه تطرق إلى الشأن العربي العام، ومزج فيها بين الثقافي والاجتماعي والسياسي، وجعل كل مستمع إلى الرسالة يسأل نفسه عن المستقبل، خاصة عندما طرح سؤاله الإشكالية بخصوص الغد:«من سنكون، وكيف سنكون؟، محشورين على جبل الهاوية في عين قناصي الحرية يمضغون الرصاص والجمال الميت».

سرقة الأحلام

تغوص فكرة العمل المسرحي "رحل النهار" عميقاً في العصر الراهن، الذي يحفل بالصراعات، ويحتشد بالمشاكل والحروب، وهو مشهد تجول في مسرحه الجماعات المتعصبة المنغلقة بعقول صماء غير منفتحة على الآخر، ولا تقبل الحوار معه، وهي التي تتدثر برداء الدين، إضافة إلى وجود قوى سياسية وفكرية تحمل أيديولوجيات غير متسامحة كتيارات اليمين المتطرف في الغرب، كما يعقد العرض محاكمة للديكتاتوريات والشموليات في كل مكان، تلك التي أرهقت العالم وأزهقت الإنسانية، كالمجموعات المتطرفة التي حولت المشهد المعاصر إلى ظلام دامس، وبرعت في سرقة الأحلام الشاردة التي داعبت وجدان الناس في كل مكان.

ويصنع العرض مشهدية داكنة للعالم أجمع اليوم، متناولاً الأحداث هناك وهناك، حيث محن اللاجئين وسفن ومراكب الموت، التي تحمل آلاف اللاجئين في العالم ممن يحلمون بالحرية والعيش الكريم في جنة الغرب المتخيلة، فيهم من يصل إلى هناك فيجد كل أحلامه مجرد سراب، ومنهم من يلقى حتفه إذ يبتلعه البحر، رحلوا ورحل معهم النهار والأمل في غد أفضل.

كما يطل العمل، بصورة خاصة، على الواقع العربي، حيث تسود الصراعات والخلافات والمشاكل السياسية والاجتماعية في كثير من أرجائه، وتنتشر الجماعات المتطرفة، وتسود الاقتصاديات المنهارة، والكثير من الأنظمة العسكرية الشمولية، الأمر الذي يقود إلى التراجع والتخلف الاجتماعي، وكل ذلك الواقع، يحاصر إنسان تلك البلدان الذي لا يجد أمامه غير الترحال في كنف واقع مغاير وثقافة جديدة.

حالة إبداعية

يبرز في العرض صوت يدعو الشباب العربي إلى التمسك بالأوطان والعمل على رفعتها ونهضتها وتنميتها، مبشراً بأن الغائبين حتماً سيعودون في يوم ما إلى حضن أوطانهم ليسهموا في ازدهاره، وطرد الشرور عنه، فهم في تلك المنافي غرباء ولن يشعروا بالانتماء وتلك دعوة للأمل يقدمها العرض المحتشد بالأفكار والرؤى الفلسفية والإنسانية حول واقع العالم وراهن الأمة العربية، فمثل العرض حالة إبداعية فريدة، بمثابة ملحمة استعان فيها كاتب النص إسماعيل عبدالله بالأشعار العربية الملحمية من لدن قصائد محمود درويش، وبدر شاكر السياب، وأولاد أحمد، وأبو القاسم الشابي، وأحمد مطر، وغيرهم ممن تحمل نصوصهم وقصائدهم معاني الوطنية الرفيعة، كما احتشد العمل بالأسئلة والبحث عن المصير والأفق الجديد، ونجح المخرج في مقاربة فكرة المؤلف، فاستعانت الرؤية الإخراجية بفضاء مفتوح وزمان ومكان غير محددين، في محاولة لتجريد النص والابتعاد عن المباشرة والواقعية، ولئن كانت النهاية حزينة تماماً كما هو الواقع، لكنها في نفس الوقت مفتوحة على كافة التأويلات، ليصنع المخرج بدوره فراغاً ينتظر خيال المتلقي، فالعرض يعتمد بصورة كبيرة على المشاركة الذهنية بين الخشبة والمتلقي.