صراع السلطة في لبنان

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تشهد الأزمة اللبنانية تعقيدات لا سابق لها وتعد الأشد غرابة من نوعها من بين أزمات المنطقة المزمنة، وتشابكات المشهد اللبناني والانقسامات العميقة في صفوف طبقته السياسية، وميراث التكوين الطائفي بعد نهاية الحرب الأهلية، إضافة إلى عوامل الموقع الجيوسياسي الذي يستقطب مصالح دولية وإقليمية متنافرة، وفي غالب الأحيان متصارعة. كل هذه العوامل تجعل أزمة الحكم والسياسة فريدة من نوعها.

وما يبدو واضحاً في مسارات الأزمة التي لا تلوح لها نهاية قريبة، هو أنها تؤسس لصدامات لا تنتهي بين مكونات السلطة نفسها والتي تحاول الخروج من مستنقع الجمود عبر مزيد من التمسك العنيد بالمواقف، والنهج الهجومي المستمر.

وبينما تدور المعارك العنيفة بين القادة والزعماء يقبع الإنسان اللبناني المنكوب ـ الذي من المفترض أن تعمل السلطة على رفاهيته، وتكون محور حركته ـ على هامش كل شيء، وهو يتابع مراحل الانهيار التدريجي لدولته، وسبل معيشته، ويعاني مشاعر اليأس وقلة الحيلة.

هناك اليوم قضيّتان تستحوذان على اهتمام الطبقة السياسية، وتشكّلان محور الأزمة. وهي مشكلة العجز عن اختيار رئيس جديد للجمهورية خلفاً للعماد ميشال عون، والقضية الأخرى هي التحقيقات المتأرجحة حول انفجار مرفأ بيروت. وتنتظر الأزمة الاقتصادية التي تطحن اللبنانيين حدوث توافق يبدو شبه مستحيل في المرحلة الحالية، بين الفرقاء المتصارعين.

ويشير المراقبون خصوصاً إلى مخاوف من تفكك الدولة بسبب الأزمة المالية المستمرة منذ ثلاث سنوات، وما تفتأ تتفاقم كل يوم. لقد فقدت العملة أكثر من 97% من قيمتها منذ عام 2019، وقد تسارع انهيارها في الأيام الماضية، ما أدى إلى إفقار مزيد من اللبنانيين.

وتحذر دراسة للأمم المتحدة من أن نحو 2.3 مليون لبناني؛ أي نحو 42% من السكان، سيواجهون انعدام أمن غذائي حاد في الربع الأول من هذا العام. كما أن أجهزة الدولة نفسها باتت عاجزة عن الصرف على منسوبيها، وتزايد اعتمادها على المساعدات الخارجية لتوفير الغذاء للمواطنين، ولقوات الأمن في الشوارع.

إن الوضع اللبناني المتشابك لا يشبه إلا نفسه، ولا تمكن مقارنته بالأوضاع في الدول الجمهورية الأخرى في المنطقة. وأوضاع الأزمات في العديد من دول المنطقة تتخذ مساراً تقليدياً. فعند احتدام الأزمة ووصولها إلى طريق مسدود وتزايد معاناة المواطنين وظهور بوادر الفوضى، فإن المؤسسة العسكرية تتولى مقاليد السلطة لتعيد ترتيب الأمور من جديد، وتطلق مسارات مختلفة للحل.

لكن الوضع اللبناني شديد الاختلاف، فالنخبة السياسية قوية ومتجذرة. ولا مجال للحسم العسكري وتدخّل الجيش لتولي زمام السلطة، من دون المخاطرة بنشوب حرب أهلية طاحنة. وقد شهد لبنان فعلاً حرباً أهلية هي الأعنف من نوعها في أعوام بين عامي 1975 و1990، ولا تزال آثارها حية في الذاكرة اللبنانية.

وهذا مصير لا يرغب أحد في تكراره، لكن التصادم المستمر بين مؤسسات السلطة وغياب التوافق، والعجز عن تقديم التنازلات، قد يقود إلى أوضاع يصعب التحكم فيها، وتجعل السلطة ونخبتها ـ وليس الشعب اللبناني فقط ـ في قائمة الخاسرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3rbd5u

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"