اللوحة القدَريّة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

المشهد مخيف بل مرعب، الموت والولادة معاً، في نفس اللحظة ونفس الصورة، المشهد كأنه لوحة سريالية عبثية، لوحة القدر، لا أحد يملك أن يقول لا ولا أحد يستطيع أن يهرب ولا أحد يمكنه تغيير أي شيء. 
لوحة القدر لخصت معنى الوجود، ماذا نفعل على هذه الأرض وكيف تمشي بنا الحياة، إنها لحظة، بنايات تتهاوى كأن أطفالاً صنعوها من بلاستيك في لحظة لعب ثم هدموها. الوقت ليل أو فجر والناس كلها تلتحف الدفء والسكينة في بيوتها في تلك الليلة الباردة المثلجة، حتى أنفاس الأطفال والعائلات كلها دفء وسكينة، لم يحسب أحد أن الأرض تغلي من تحته وأن موعد الانفجار الغاضب قد حان وأن اللحظة تغير المصير. 
مشهد عبثي رسمته الأرض في لحظة غضب، أرسلت إشارة إلى الخلق من الخالق، كأنه زئير انبعث من الباطن، شقق القشرة التي يقف فوقها العالم، نعم ما هي إلا قشرة وكل ما عليها آيل للسقوط في لحظة، في رسالة، في موعد لا يعلمه إلا الله.
المشهد ولّد صدمة فارتعشت كل شعوب الأرض في وقت واحد، ارتدادات الزلزال لم تقتصر على ارتعاشات وهزات تأتي من باطن الأرض فقط، بل تأثير الحدث المرعب لفّ بارتداداته الكرة الأرضية وبلغ صداه أبعد مدى فارتعشت كل القلوب وخاف البشر من كل أطيافهم وألوانهم وجنسياتهم من غضب الأرض ومن الرسالة التي تقول «كلكم سواسية في عين القدر». 
من بمقدوره أن يتعالى ويرى نفسه بعيداً عن متناول هكذا مصير؟ من لم ير نفسه داخل مشهد الزلزال وهو يراقب عمليات الإنقاذ فبكى وتألم ودعا وصلى وشكر وفرح..؟! من تحت الأنقاض يخرج أحياء وأموات، فوق نفس الأنقاض تسمع النحيب والصراخ والضحك والابتهاج، عائلة خرجت بكامل أفرادها على قيد الحياة، وعائلات خرجت على قيد الوفاة، أطفال ناموا في أحضان أمهات وآباء ثم استيقظوا من تحت الرماد أيتاماً. 
ما أصعب هذا الدرس، فهل فهمه البشر كافة وتعلموا واستوعبوا ليطووا صفحات من العناد والقرارات الخاطئة التي تحوّل الحياة فوق هذا الكوكب إلى جحيم؟ هل تعلموا وفهموا فأعادوا حساباتهم ليضعوا الإنسان والأمن والأمان والاستقرار وسلامة البيئة والطبيعة والأرض وما فوقها وما تحتها على قائمة الأولويات، فيتراجع البغض وتفنى العنصرية وتمحى الحروب والأطماع وتستعيد الحياة توازنها بلا تشوهات وشذوذ؟  
مؤسف أن تطوى صفحة الزلزال الكارثي ككل الكوارث التي سبقته ويتحول إلى ذكرى بلا جدوى، وكأنه لم يحصل إلا لتنشق الأرض وتبتلع من ابتلعته ويخرج منها من خرج سليماً أو مشوهاً، ويبقى الأثر محفوراً في نفوس هؤلاء الذين مسهم الضرر بشكل مباشر، ويعود العالم إلى ما كان عليه قبل تلك «اللحظة».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye2a9543

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"