عادي
تتقلص في ظل سطوة الـ «سوشيال ميديا»

خصوصية الأبناء.. رفاهية أم حق ومسؤولية؟

22:59 مساء
قراءة 5 دقائق
1

تحقيق: مها عادل
الخصوصية مفهوم واسع ومعنى يجسد أحد مقومات حقوق الإنسان، فالخصوصية قدرة الفرد أو الأشخاص على عزل أنفسهم أو معلومات عنهم، والتعبير بطريقة انتقائية ومختارة.

عندما يأتي الأمر عند مناقشة مدى توافر مساحة للخصوصية بين الأبناء وأبائهم خاصة في أخطر فترات حياتهم مع نهاية الطفولة وبدايات سن المراهقة، قد تكون هناك حسابات خاصة تحكم رؤى وتجارب كل أسرة على حدة، حيث قد تثور مخاوف الأهل من أن منح الخصوصية لأبنائهم قد يؤدي بالضرورة إلى تراجع دورهم الرقابي على سلوكيات صغارهم، ما قد يعرضهم للمشاكل خاصة في ظل تزايد دور العالم الافتراضي الذي يفترس أوقاتهم ويشغل تفكيرهم ولا يعترف على الإطلاق بمبدأ الخصوصية بل يزيد حس الفضول والرغبة في الانتشار والتواصل مع الغرباء عند الأبناء، وتزداد وطأة المشكلة عندما يواجه الأهل إلحاح أبنائهم في طلب الخصوصية، والتوقف عن البوح بالكثير من أخبارهم وأسرارهم للأهل بحجة حقهم بالخصوصية.

في هذا التحقيق نسعى إلى التعرف على مفهوم الخصوصية وأشكالها وتجارب الأهل في التعامل مع هذه العوارض الاجتماعية التي قد تعكر صفو العلاقات بالبيت الواحد.

تحدثنا نور أحمد، مهندسة وأم لثلاثة أبناء وتقول: أؤمن تماماً بحق أبنائي في التمتع بخصوصيتهم، لأنهم إذا شعروا باحترام الأهل لخصوصيتهم سيحترمون هم أيضاً بالتبعية خصوصية واحترام مشاعر الآخرين ومراعاة احتياجاتهم، لكن إذا تم تجاهل هذه الحاجة لدى الأبناء والضغط عليهم لسلبهم هذا الحق، أتصور أن هذا السلوك يؤدي إلى تعكير صفو العلاقات، وفي تجربتي مع أبنائي الصبيان طبقت هذا الأسلوب منذ طفولتهم، وعودتهم أن أطرق باب غرفتهم لأستأذن قبل الدخول، وأن أسألهم إذا كان يمكنني استخدام هواتفهم المحمولة، لأي سبب وانتقل هذا الأسلوب ليتم تطبيقه بينهم أيضاً فنما بداخلهم احترام ملكية وخصوصية مقتنيات كل فرد من أفراد الأسرة، وأعتقد أن هذا السلوك لم يقلل من قدرتي على التقارب معهم، ومعرفة تفاصيل حياتهم واهتماماتهم من دون إجبارهم على إخباري، حيث ينجح هذا الأسلوب في بناء جسور من الثقة بيننا، تمنحهم مساحة وراحة في التعبير عن مشاعرهم ومشاركتي في كل مجريات حياتهم، حيث نجحنا في الفصل بين مفهوم احترام الخصوصية وسرية المعلومات بيننا، ورغم أنهم أصبحوا في المرحلة الجامعية إلا أن علاقتي بهم ما زالت وثيقة ومع أصحابهم وزملائهم من الصبيان والفتيات أيضاً.

مساحة خطر

أما حنان محمود، موظفة بدبي، فتختلف مع الرأي السابق وتقول: في رأيي لا يجب أن يبدأ الأهل في تدريب أبنائهم على الحصول على مساحة من الخصوصية في وقت مبكر، يعني للأبناء دون سن العاشرة، ففي هذه الحالة ستكون هناك مساحة من البعد بين الطفل والأهل خاصة الأم التي تشارك الطفل معظم أوقاته وأنشطته اليومية وهي بالطبع تعلم كل أخباره وعلاقاته بالمدرسة، فهذا الأمر خطر وغير منطقي برأيي، خاصة في وجود «السوشيال ميديا» وهي اللص الذي يسرق وقت واهتمام أطفالنا، لذلك فمنح الأطفال خصوصية ومساحة بعيدة عن الأهل معناه أن نفرغ هذه المساحة ليحتلها الغول الأكبر وهو مواقع التواصل الاجتماعي الذي ينتهك خصوصية الأبناء على نحو أخطر بكثير مما يمكن أن تفعله الأم أو الوالدان، وفي رأيي فإن منح الخصوصية للأبناء في سن مبكرة في ظل سطوة التكنولوجيا واختراق المعلومات، يشكل خطراً داهماً على سلامتهم النفسية والبدنية بينما وجود الأهل بالقرب من الأبناء والإشراف على تصرفاتهم وسلوكهم ومعرفة كيفية تمضية وقت فراغهم، بما في ذلك فتح غرفهم أو هواتفهم في أي وقت، هي أمور ضرورية، حيث يشعر الأطفال أن هناك رقيباً عليهم وأن الالتزام بتقاليد الأسرة ومواعيد الدراسة وغيرها، هي أمور ملزمة وليست اختيارية، ولذلك أعتقد أن مفهوم الخصوصية بهذه الطريقة لا يجب تطبيقه أبداً على الأبناء وخاصة في سن الطفولة.

شخصية الطفل

تلتقط نسرين حنفي، ربة بيت، خيط الحديث وتقول: من خلال تجربتي في تنشئة فتاتين وشاب في مراحل الدراسة المختلفة من الطفولة إلى المراهقة إلى الشباب، أستطيع أن أقول إن الأمر يتوقف على شخصية الطفل، فهناك أبناء يحرصون على الحصول على حق الخصوصية منذ نعومة أظفارهم ويكون الطفل خجولاً منطوياً ويفضل الهدوء والبقاء وحيداً لفترات، مثلما كانت ابنتي الكبرى التي كانت تنزعج كثيراً إذا اقتحم أحد خصوصيتها أو فتح حقيبتها أو عبث بأشيائها، بينما أخوتها لا يجدون أي غضاضة في أن أدخل إلى غرفهم في أي وقت، وأن أرتب أشياءهم بنفسي وأحياناً تقوم ابنتي الصغرى (13 عاماً) بالإلحاح عليّ للخروج معها بصحبة صديقاتها وحضور بعض الأفلام مثلاً فهي تعتبرني (صديقتها المقربة)، كما تردد على مسامعي دائماً، ولهذا لا تطالبني بأي مساحة من الخصوصية بل على العكس تأتي إلى بمفردها أحياناً لتروي لي ما حدث معها خلال يومها من نجاحات أو إخفاقات خلال يومها الدراسي، ونفس الشيء مع ابني الأوسط (16 عاماً) ورغم أن هذه السن الشباب فيها أكثر تحفظاً إلا أنه مازال منفتحاً معي.

مخاوف الأهل

يقول جلال إبراهيم موظف و أب ل 3 أبناء: الموضوع يتوقف على أفكار الأهل وأسلوب تنشئتهم ومدى انفتاحهم على الثقافات المختلفة، فكلما كان الأب أو الأم أكثر انفتاحاً وله خبرات في العيش في دول مختلفة وتمتع بعادات وتقاليد مختلفة عن مجتمعاتنا سيكون لديه مخزون من الثراء الثقافي والمعرفي الذي يجعله أكثر قبولاً بالأفكار المختلفة وقد يتمتع بآليات تدعمه في إنشاء علاقة سليمة مع الأبناء تجمع بين المسؤولية والحرية والارتباط والخصوصية.

حوار وتواصل دائم

1
د. رشا عبد الرحمن

تحدثنا د. رشا عبد الرحمن، رئيس قسم علم النفس بجامعة عجمان، عن آليات دعم العلاقات الأسرية وكيفية الموازنة بين رغبات الأبناء واحتياجهم للخصوصية ودور الأهل بالرعاية والأشراف وتقول: لا مجال للشك في أن الشعور بالخصوصية مطلب إنساني وحق للجميع، وهي أحد الأمور التي أكدت عليها الأديان كافة، والدين الإسلامي بشكل خاص، وبالرغم من الحديث الواسع حول الحقوق والخصوصية واحترام الخصوصية، فالجميع يؤمن بالحرية واحترام خصوصية الآخر، ولكن عندما يتعلق الأمر بالأبناء يقع الآباء في مأزق كبير بين ما يصدقه أو يؤمن به، وبين خوفه الشديد على أبنائه.

الخصوصية حق من حقوق الأبناء، وإذا لم تمنح بهدوء من قبل الآباء ستؤخذ غصباً، وفي هذه اللحظة ربما يكون تبعات ذلك غير متوقعة على سلامة العلاقة الأسرية.

وتتابع عبد الرحمن: مرحلة المراهقة من (11- 17) سنة، ومن أهم خصائص هذه المرحلة هي الشعور بالذات والرغبة بالاستقلالية والمزيد من الخصوصية، وبالتالي تصبح مطلباً مهماً في هذه المرحلة. لذا مرحلة المراهقة من أهم المراحل التي يجب أن تحترم فيها خصوصية الأبناء، وإتاحة مساحة شخصية خاصة بهم.

والخصوصية أمر واجب على جميع الأبناء، ولكن الفكرة هنا حول كيفية تطبيق هذه الخصوصية مع الأنماط الشخصية المختلفة لأبنائنا، فالتعامل مع الذكور يختلف عن الإناث، والمراهق العنيد مثلاً لا يتحمل اختراق خصوصيته بأي شكل من الأشكال، بل ولا يقبل التوجيه المباشر، وبالعكس ربما يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف وشديد من قبل الابن، وأعتقد أنه لا يوجد تعارض بين منح الأبناء خصوصياتهم ودور الأهل الرقابي، ربما يوجد فهم وتنفيذ خاطئ للتربية مثل حق الآباء في التجسس على أولادهم بدافع الخوف عليهم، وبدافع أنهم لا يعرفون مستقبلهم، وليس لديهم ما يكفي من الخبرة.

وستظل دائماً كلمة السر في استقرار العلاقات العائلية هي، الحوار والاتصال الدائم والآمن بين الآباء والأبناء.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3y3unf4e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"