تهتم دائماً النظم التعليمية في أساس عملها، بمواد دراسية محددة، إذ تعتبرها ركائز أساسية، ينخرط من خلالها المتعلمون في معارف وعلوم الدراسة، كما أن مضمونها يشكل مقومات بناء شخصية الطالب، وتعدّ أحد أهم مسارات تعزيز الهوية الوطنية في أي مجتمع، المحافظة دائماً على اللغة «الأم» ومكوناتها.
دمج مواد «العربية والإسلامية والاجتماعيات» في منهج واحد، قد يكون نمطاً جديداً ومطوراً في تدريس المواد الأساسية للأبناء، ولكن دعونا نسأل أنفسنا هل يعزز النمط الجديد معارف الطالب وينمي مهاراته في لغته؟ وماذا عن «الإسلامية» التي تُعلمه القيم والمبادئ الإسلامية في الدين الحنيف؟ وهل تشبع المتعلم فعلياً من التاريخ والتراث في «الاجتماعيات» التي ترسخ مفاهيم الهوية وتغرس قيم الولاء في النفوس والعقول؟.
تساؤلات كثيرة أوجدها الجدل الذي يسود الميدان التربوي، حول واقع دمج هذه المواد في منهج واحد يستهدف طلبة الصفوف 1-4، ومدى تأثير ذلك على أداء النشء لغوياً ومعرفياً، وبلغت المناقشات المجلس الوطني الاتحادي الذي نقل تفاصيل وأبعاد هذه الإشكالية إلى وزارة التربية والتعليم، في أعقاب تحفظات مجتمع التعليم بفئاته، في محاولة لإيجاد حلول ناجعة، تفصل هذه المواد التي تعدّ كنوزاً تبني شخصية وهوية الطلبة.
في الواقع أن تدريس تلك المواد «مجتمعة» أمر ليس مستحيلاً، ولكن الصعوبة تكمن في عجز أبناء هذه المرحلة عن إدراك الفرق بين المواد الثلاث؛ لصغر سنهم ومحدودية قدراتهم الفكرية، والأمر صعب أيضاً على المعلمين أنفسهم؛ إذ يبحثون عن استراتيجيات تدريسية جديدة، تُعينهم على إيضاح الفرق بين تلك المواد، بطرائق بسيطة تصل لعقول الأطفال.
عملية الدمج أذابت محتوى مناهج هذه المواد في منهاج واحد، ليعاني أولياء الأمور صعوبة مساندة أبنائهم ومساعدتهم في فهم المقرر؛ إذ إن قدرات معظمهم لا تمكنهم من مهارات «الشرح والإيضاح» عن: ماذا تعني «العربية والاجتماعيات»، وما أهمية تعلم «الإسلامية» وتعزيز قيمها ومفاهيمها؟.
إن تمكين الأطفال من القراءة بالفصحى والكتابة الصحيحة، وتعليمهم لغة القرآن الكريم، يعدّان مسارَين مؤثرين يُسهمان في تصميم سمات جوهرية للأجيال التي تستمد قوتها من لغة الضاد، وتتحلى بالأخلاق والقيم والعادات والتقاليد من التربية الإسلامية، لنجد قلوبها وعقولها عامرة بمفاهيم الولاء والانتماء وحب الوطن من الدراسات الاجتماعية.
نعتقد أن إيجاد آليات جديدة للتعاطي مع تلك المواد يشكل ضرورة ملحة، حفاظاً على موروث اللغة الذي تتناقله الأجيال، ولا جدال في توظيف التقنيات الحديثة لتعزيز قدراتها ومقوماتها، ونترقب مع مجتمع التعليم توصيات وتفاصيل التقرير النهائي للجنة الوطنية الأكاديمية، التي شكلتها وزارة التربية لمراجعة المنهج المتكامل.
[email protected]
https://tinyurl.com/3dpsnuvm