المغرب العربي.. الفكرة والموت السريري

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

مرّت منذ أيام قليلة الذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيس اتحاد المغرب العربي، ولئن صدرت بعض البيانات من دول الاتحاد الخمس إلا أن الواقع يثبت أن الفكرة التي ولدت في الأصل منذ منتصف القرن العشرين زمن حركات التحرر الوطني هي الآن في حالة موت سريري.

في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية التونسية بالمناسبة أعلنت تونس تمسكها بفكرة الاتحاد باعتباره خياراً استراتيجياً لما يوفره من أسباب القوة والمناعة لمواجهة التحديات المشتركة وكسب رهانات التنمية والتقدم، وتوطيد مقومات الأمن والاستقرار. غير أن البيان التونسي كان يتيماً فدول المنطقة منشغلة بقضاياها الداخلية وشركاتها مع الفضاءات الاقتصادية الأخرى، ما يؤكد أن هذا الفضاء الاستراتيجي الذي يمكن أن يكون صورة مصغرة للاتحاد الأوروبي في جنوب المتوسط يعاني خلافات سياسية يتضرر منها ودون أدنى شك المواطن المغاربي.

لا يختلف المحللون على أن فكرة المغرب العربي هي فكرة «مرعبة» للقوى التي تريد السيطرة على فضاء المتوسط باعتباره قلباً نابضاً للتجارة الدولية. إن منطقة المغرب العربي تمتلك كل مقومات التقدم والازدهار، سواء من حيث الموارد الطبيعية أو البشرية أو الموقع الاستراتيجي. إن وجود هذا التكتل وقيامه على أسس المصالح المشتركة والعقلانية السياسية سيجعله قوة اقتصادية عظمى ومجالاً حيوياً على تلك القوى التي استعمرته سابقاً أو التي تريد أن تجعله تحت مظلتها مستقبلاً.

إن مجرد جمع الحديد الموريتاني على الفوسفات التونسي والمغربي والغاز والنفط الجزائري والليبي، فضلاً عن المقدرات الزراعية الضخمة سواء في شمال المغرب العربي أو في صحاريه التي بدأت تتحول إلى مناطق خضراء وخصبة، وإضافة إلى الملايين من العقول البشرية المتعلمة والمالكة لمهارات تستجيب لحاجيات اقتصاد ناشئ وذات مردودية وكفاءات مهنية مثبتته في أكبر أسواق الشغل العالمية، ناهيك عن المساحة الجغرافية التي تمتد على أكثر من 6 ملايين كيلومتر مربع التي تفوق مساحة الاتحاد الأوروبي بنحو مليوني كيلومتر مربع، هي كلها عوامل «مرعبة» لكل الذين لا يريدون لدول جنوب المتوسط أن تنهض وتستقل اقتصادياً وسياسياً وتتخلص من التبعية التي فرضت عليها منذ عقود.

إن وجود قوة في جنوب المتوسط بقدرات المغرب العربي المتحد، ستعني ليس فقط تحولات اقتصادية؛ بل تحولات جيواستراتيجية حقيقية تغير قوانين اللعبة في البحر المتوسط وفي العالم أيضاً، ولهذا تم استغلال الخلافات السياسية بين بعض دوله من أجل إماتة الفكرة ووأدها قبل أن تتحول إلى مشروع واقعي يحقق آمال شعوب المنطقة التي تحلم بهذا المصير المشترك.

الحقيقة أن أحلام الشعوب متقدمة بأشواط عن تفكير القادة السياسيين الذين لم يفعلوا شيئاً سوى المساهمة في موت فكرة تأسيس اتحاد قوي قائم على المؤسسات، وتم تعطيل الكثير من المشاريع التي تعد حلقات مفصلية في ربط دول المغرب العربي ببعضها بعضاً، مثل البنك المغاربي واتحاد رجال الأعمال وتأسيس الجامعة المغاربية المشتركة، وهي خطوات تنفيذية لابد منها والقفز على الخلافات السياسية أو تجاوزها. ويتحمل قادة المغرب العربي الذي تعاقبوا على إدارة دوله منذ 34 سنة مسؤولية تحطيم الفكرة وجعلها ميتة سريرياً، منذ أن كانت الفرصة سانحة على الأقل في السنوات الأولى لتأسيس الاتحاد. والآن بدأت المنطقة تقع تحت أنظار القوى العالمية وتعمق الشرخ السياسي حتى أن مجرد بيان يحيي الذكرى لم يعد يصدر من هذه الدولة أو تلك.

صحيح أن الوضع السياسي الآن تشوبه خلافات عميقة وقطيعة سياسية، لكن ليس كما حدث بين الدول الأوروبية، ومع ذلك فكروا عقلانياً وتجاوزوا خلافاتهم القديمة وأسسوا لشراكة حقيقية و مستدامة باتت اليوم أنموذجاً في التعاون و الاتحاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3h2kn7

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"