الذهب وسياسات «المركزي»

22:01 مساء
قراءة 3 دقائق

أليكس غلوي*

في عام 2022، ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، اشترت البنوك المركزية 1136 طناً من المعدن الأصفر النفيس، في أكبر عملية شراء على الإطلاق. وأنفقت ما مقداره 66 مليار دولار في نفس الفترة، بمتوسط سعر قدره 1875 دولاراً للأونصة. وبالنظر إلى الانخفاض المستمر في شراء الذهب على مدار العقود، فإن الاهتمام المفاجئ به الآن أمرٌ محير ويستلزم تحليلاً أعمق.

توصّل مقال سابق ل «فير أوبزيرفر» بعنوان «هل معيار الذهب حي أم ميت» إلى استنتاج مفاده أن معيار الذهب لن يكون قابلاً للتطبيق بسبب «التحيز الانكماشي» الذي يحمل معه عيوباً كبيرة. فعلى سبيل المثال، إذا دعمت دولة ما عملتها بمخزون الذهب، فإنها تواجه مشكلة التعامل مع المخزون العالمي والذي يبلغ حوالي 200 ألف طن فوق سطح الأرض، في حين يتم تعدين حوالي 3500 طن فقط سنوياً، مما يعني أن مخزون الذهب يزيد بنسبة 1.75% فقط في السنة. وبالتالي، يحدد معدل النمو المنخفض هذا بشكل مباشر المعدل الذي يمكن أن ينمو به المعروض النقدي في اقتصاد تلك الدولة. ولن يكون هذا ببساطة كافياً لاستيعاب النمو السكاني والإنتاجية، مما يقود إلى انخفاض الأسعار الإجمالية للسلع والخدمات.

إذن لماذا البنوك المركزية، التي تدرك بالتأكيد هذه القيود المفروضة على معيار الذهب، تراكمه في أقبيتها بشكل محموم؟

العام الماضي، درس مسح يخص احتياطي الذهب العالمي 56 بنكاً مركزياً، وقدم رؤى مثيرة للاهتمام. ولدى سؤال البنوك عن الموضوعات التي يعتبرونها الأكثر صلة بقرارات «إدارة الاحتياطي من المعدن»، ذكر (91%) منهم أن «أسعار الفائدة المنخفضة أو السلبية» هي العنصر الأول، يليها التضخم (88%)، وعدم الاستقرار الجيوسياسي (84%). وحقيقة أن «أسعار الفائدة المنخفضة أو السلبية» صُنفت بدرجة عالية كمؤثر في السياسة النقدية أمرٌ مستغرب إلى حد ما، لأنه عادة ما يتم التحكم بها من قبل البنوك المركزية نفسها.

الأمر نفسه ينطبق على التضخم، بالرغم من أن العديد من الخبراء يعزون الزيادة التضخمية في عام 2022 إلى المحفزات المالية غير المسبوقة المخصصة استجابة لفيروس كورونا، فضلاً عن الاختناقات المستمرة في سلسلة التوريد التي حدثت عندما دخلت البلدان في حالة إغلاق.

ولدى سؤالهم عن أسباب زيادة احتياطياتهم من الذهب، ذكر 39% من البنوك المركزية أنهم فعلوا ذلك «كحاجز ضد أزمات ميزان المدفوعات»، في حين ادعى 34% منهم أن زياداتهم في الذهب بمثابة «دعامة» للنظام المالي المحلي. وأزمة ميزان المدفوعات هي أمر شائع في الدول النامية، وتحدث عندما تتجاوز تكاليف الاستيراد، التي تُدفع بالدولار، قيمة أرباح الصادرات على مدى فترة زمنية طويلة، عندها يتناقص إجمالي النقد المتاح. ولكن هل يمكن حقاً استخدام الذهب ك «دعامة للنظام المالي المحلي»؟

إذا ما انهار النظام النقدي الدولي لسبب ما، سيكون الشغل الشاغل لمعظم الحكومات هو منع انهيار أنظمتها المصرفية المحلية لمنع حدوث كساد اقتصادي واسع النطاق واضطرابات مدنية. وستكون البنوك التجارية مُعسرة إلى حد كبير بسبب خسائر الائتمان الباهظة. كما سيتعين على البنوك المركزية تقديم قروض جديدة لإعفاء البنوك التجارية، وهو أمرٌ يمكن لاحتياطيات الذهب التكفل بإنجازه.

والسؤال المهم هنا، هل يمكن للذهب حقاً أن يحفز الاقتصاد؟ وهل هناك ما يكفي منه لدعم كل العملات؟ الجواب بسيط بشكل مدهش. نعم، فمن الناحية الفنية، يوجد دائماً ما يكفي من الذهب، والأمر يعتمد فقط على السعر.

وتبلغ القيمة الحالية المستحقة للعملة الأمريكية (من دولارات ورقية ومعدنية) حوالي 2.3 تريليون دولار. مع وجود 261.4 مليون أونصة ذهبية بحوزة الحكومة الأمريكية. وبحساب السعر عند نحو 1875 دولاراً للأونصة الواحدة، تبلغ قيمة احتياطي الذهب الأمريكي حوالي 490 مليار دولار. وعليه، من أجل دعم جميع العملات المتبقية باحتياطيات من الذهب، يجب أن يصل سعر الذهب إلى 8800 دولار للأونصة، أي أعلى بخمس مرات تقريباً مما هو عليه اليوم.

وإذا أردنا للذهب أن يغطي جميع الأموال التي بحوزة الاحتياطي الفيدرالي (والتي تساوي 8.4 تريليون دولار)، فإن سعر الذهب يجب أن يكون أعلى من 32 ألف دولار للأونصة، (ما يقرب من 18 ضعف السعر الحالي).

وإذا أضفنا إلى هذا المبلغ 17.7 تريليون دولار من الودائع البنكية الأمريكية، فإن سعر الذهب المرتبط المطلوب سيقترب من 100 ألف دولار للأونصة، وهو سعر لا يمكن تصوره عملياً مقارنة بواقع اليوم. علاوة على ذلك، فإن أكبر مقياس للمال في الولايات المتحدة، وهو إجمالي ديون سوق الائتمان المستحقة، قد بلغ 92 تريليون دولار، الأمر الذي يتطلب سعر ذهب يزيد على 350 ألف دولار للأونصة لتتم تغطيته بالكامل!

*مؤسس شركة «لايتهاوس إنفستمنت» لإدارة الاستثمار ( فير أوبزيرفر)

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/248fdvfn

عن الكاتب

مؤسس شركة «لايتهاوس إنفستمنت» لإدارة الاستثمار

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"