يجوز ولا يجوز

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

عندما نشر المفكر الأمريكي من أصل ياباني، فرانسيس فوكوياما، كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الآخر» عام 1992، كان ذلك بعد عام على انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، اعتقاداً منه أن عصراً جديداً بدأ بانتصار نهائي للديمقراطية الليبرالية، وفق النموذج الأمريكي، وأن النظام الدولي الآحادي الذي تقوده الولايات المتحدة سوف يكرس إلى الأبد، ولا مكان لأي فكر آخر في هذا النظام.

لم يأخذ فوكوياما يومها في الاعتبار أن البشرية تتطور، وأن قوى جديدة يمكن أن تظهر لتأخذ دورها في المسيرة البشرية، وأن التاريخ ليس ثابتاً. لكنه بعد ذلك بسنوات تراجع عن مقولته وكتب في عام 2012 مقالة في «الإيكونوميست»، أشار فيها إلى أن حقبة وهيمنة «القطب الواحد» قد انتهت، أو هي في طريقها إلى ذلك، بعد الصعود اللافت للصين، وغيرها من الدول، وبروز أزمة الهوية في الولايات المتحدة.

وإذا كانت نشوة النصر على الاتحاد السوفييتي دفعت فوكوياما للتبشير بالهيمنة الأمريكية المطلقة على النظام الدولي، إلا أن الفكر السياسي الأمريكي تمسك بمقولة «الانتصار المطلق» كنهج في العلاقات الدولية، يقوم على أن لا مكان في النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة لأية قوة أخرى تشارك الولايات المتحدة في تقرير مصير العالم.

من هنا، يأخذ الصراع الحالي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين الصين وروسيا من جهة أخرى، منحى المواجهة الشاملة، على شكل الحرب الأوكرانية، وتشكيل تحالفات عسكرية لمحاصرة بكين وموسكو، وإثارة أزمات إقليمية بهدف إشغالهما وإضعافهما، فضلاً عن اتباع سياسة عقوبات اقتصادية ومالية وتقنية وسياسية غير مسبوقة لشل قدراتهما على المواجهة، وذلك كله بهدف أبقاء السيطرة على النظام الدولي القائم، الذي نسفت فيه الولايات المتحدة دور المنظمة الدولية كطرف وحيد يحمي الأمن والسلام الدوليين، ويصدر القرارات التي لها وحدها مفعول التنفيذ، بعد أن فرضت قوانينها وتشريعاتها كقوانين دولية، تلزم بها دول العالم بالقوة، أو بالضغوط، أو بالعقوبات إذا رفضت.

وترى الولايات المتحدة أن صلاحياتها عابرة لكل الحدود، وأن لها الحق في أن تقرر ما تريد، وعلى العالم أن يلتزم من دون اعتراض.

مثلاً، هي تمد أوكرانيا بمليارات الدولارات، وبكل ما تحتاج إليه من سلاح ودعم مالي، وتضغط على الأوروبيين للقيام بالمثل من أجل إطالة أمد الحرب بهدف هزيمة روسيا، لكنها تحذّر الصين إن هي قدمت أسلحة إلى روسيا. كما أن وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، يطالب الصين بأن تكون «قوة سلام حقيقية وتتوقف عن دعم روسيا»، في حين تعمل بلاده على تسعير الحرب في أكثر من مكان، ولا تتوانى عن تزويد تايوان بالسلاح لتمكينها من مواجهة الصين.

ما يحق للولايات المتحدة لا يحق لغيرها طالما هي تخوض حرباً مصيرية لفرض نظامها الدولي الآحادي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3w4mt6zu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"