ترسيخ مبدأ العدالة في الإمارات

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

إن إرادة الإنسان وحركته في الحياة ركيزتان أساسيتان في صياغة تاريخ الإنسان، ومن ثم ترسيخ مكانة الدول عبر صفحات التاريخ، لأن إرادة الإنسان تنبع من القدرة الممنوحة عبر ظلال الرحمة في إطار المشيئة الطليقة والقدرة الفاعلة، إذ تتعاملان مع حركة الوجود كله، تأثراً وتأثيراً، حيث السعة والعمق في مجال حياة الإنسان وفق التفسير البيولوجي، فهي حقائق السنن البشرية والكونية على حد سواء. وأمام فاعلية هذه العوامل المؤثرة في الحياة، تجمع الكينونة البشرية كلها، وتعمل لتحقيق المشيئة في خلافة الأرض وعمارتها، وفي ترقية الحياة ونمائها.

هذه العوالم المتباينة مختلفة في بواعثها واتجاهاتها ومشاربها وتصوراتها، شتات النفوس، وتنوع المناهج والغايات، ولكل منهما في هذه الحياة طريق، وهذه الصيرورة التي تنسجم مع خط سير الحياة تجعل هيمنة القانون المدني إطاراً لحقيقة التناغم لكل من يعيش على هذه الأرض في كلياتها وجزئياتها، وهي تحولات كبرى، ونهاية للإيديولوجيات الشمولية، والنزوع إلى المثالية في جوهر الإنسان، في مجتمع عقلاني يقدم للإنسان علاقات واضحة وعقلانية مع بني جنسه.

ومن يتدبر الخطوات التي تقطعها دولة الإمارات لتطبيق أرقى النظم الموجودة في العالم، من أجل تحسين جودة الحياة، وتيسير سبلها على جميع من يعيشون على هذه الأرض الطيبة. يجدها علامات مضيئة، ومنارات سامقة في هذا الميدان، حيث ترى الاهتمام جليّاً بالجاليات غير المسلمة، وما توليه القيادة الحكيمة لها من اهتمامات، من أجل تقديم صورة ناصعة عن قيمنا وحضارتنا التي لم تكن يوماً إلا جامعة لكل الآراء والاختلافات بين الأديان والثقافات.

وفي هذا الصدد فقد تم افتتاح المعابد والكنائس والكنس في مختلف مناطق الدولة، ولاسيما في العاصمة أبوظبي، لأتباع الأديان السماوية وغير السماوية في تأكيد على احترام حقوق الإنسان ومعتقداته، من دون أي تقييد أو إكراه. ترسيخاً لمبدأ حقوق الإنسان، ولترسيخ ذلك صدر قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين في إمارة أبوظبي، حيث يهدف القانون إلى كفالة حق غير المسلم في خضوعه لقانون متعارف عليه دولياً، فضلاً عن حماية مصالح الطفل.

ويضم هذا القانون عشرين مادة مقسمة إلى عدة موضوعات رئيسية تشمل: الزواج المدني، والطلاق، والحضانة المشتركة للأبناء والمواريث، وبما يشمل إجراءات زواج الأجانب أمام المحكمة، من خلال استحداث مفهوم الزواج المدني. كما يتناول القانون التركات والوصايا، وإثبات نسب الأجانب عبر النص على إثبات نسب المولود من خلال الزواج أو الإقرار.

والواقع أن أهم ما يميز هذا القانون هو أنه أقرّ الزواج المدني، في خطوة تعبّر عن مدى التقدم والتطور والاستقرار الذي بلغته دولة الإمارات، وبما يمكّنها من تقنين مبادئها وقناعاتها الحضارية، في سابقة فريدة من نوعها، وسط بيئة تموج بثقافة محافظة، وفي أمة لا تزال متمسكة بتراثها المعنوي، بخلاف الكثير من الأمم الأخرى التي باتت تنظر للحياة بوصفها المشروع الأساسي للإنسان. وفي الشهر الماضي، أعلنت دائرة محاكم رأس الخيمة استقبال طلبات الزواج المدني، وقال رئيس الدائرة إن القانون يعد خطوة تطويرية وله نتائج وآثار إيجابية لتنظيم إجراءات الزواج وتسهيلها لغير المسلمين وفق معايير الدولة.

لا شك أن الزواج المدني، هو الزواج الذي يحفظ كرامة الإنسان، من ذكر أو أنثى، بغض النظر عن الديانة أو المذهب أو الطائفة، والتي لا تزال تلعب دوراً سلبياً في الكثير من المجتمعات، ولاسيما العربية منها. إن إصدار دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا التشريع هو أصدق تعبير على أنها دولة حضارية بكل المقاييس، وأنها تستحق كل الاحترام والتقدير، وأن القيادة الحكيمة قد بلغت من الحكمة شأناً عظيماً لتلحظ كل تلك المتغيرات التي تحدث في العالم، ولتستلهم التقدم العلمي الرهيب الذي بات يضع حدوداً على العقل الخالص، وترجمة ذلك التقدم الكبير لا تكون إلا من خلال الارتقاء بمستويات التفكير عند البشر، ذلك أن كره الآخر للونه أو عرقه أو مذهبه هي تصرفات غير صحيحة يغذيها التعصب الأعمى للأديان في أحيان كثيرة، مع أن البشر كلهم خلق الله، ولكل منهم طريقة في الوصول إليه.

قطعاً يعمل الزواج المدني على ترسيخ الاستقرار، ولا سيما في مجتمع متعدد الأجناس والأديان مثل مجتمع الإمارات.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hu5ex2c

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"