تركيا.. شهران حاسمان

00:05 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

محمد نورالدين

مع إعلان «طاولة الستة» مرشحها للانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس رجب طيب إردوغان، تكون الحملة الانتخابية في تركيا قد بدأت عملياً. ولعلها الحملة الانتخابية الأطول والأقصر في الوقت عينه. فالمعارضة بدأت منذ أكثر من سنة اجتماعاتها التنسيقية بين ستة أحزاب هي: «الشعب الجمهوري» برئاسة كمال كيليتشدار أوغلو(25 -27 في المئة من الأصوات تقريباً)،«الجيد» برئاسة مرال آقشينير(12-15 في المئة)،«المستقبل» برئاسة أحمد داود اوغلو(2-3 في المئة)،«الديمقراطية والتقدم» برئاسة علي باباجان (2-3 في المئة)،«السعادة» برئاسة تيميل قره موللا أوغلو(2 في المئة) و«الديمقراطي» برئاسة غولتيكين أويصال (0.5 في المئة). وقد عرف اللقاء ب«طاولة الستة» ومن ثم اتخذ اسم«تحالف الأمة». وهي الحملة الأقصر، لأن تسمية المرشح حصلت قبل شهرين فقط من الانتخابات التي ستجري في 14 أيار / مايو المقبل.

وكانت آقشينير اعترضت في آخر لقاء للطاولة على ترشيح كمال كيليتشدار أوغلو للرئاسة لأنها تعتقد أنه يفرض عليها فرضاً. ولكن في الحقيقة أن آقشينير نظراً لميولها القومية لا تريد أن يكون كيليتشدار رئيساً للجمهورية بأصوات «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي (عشرة في المئة) الذي لم يعلن بعد موقفه النهائي، ولا أن يصل مرشح ينتمي إلى المذهب العلوي بما يمكن أن يخسّره أصواتاً من الطائفة السنية التي يشكل عددها أكثر من 80 في المئة من المجتمع التركي.

وقد حاولت آقشينير المناورة فانسحبت قبل أسبوع من لقاء الستة، لكنها أدركت بعد يومين أن خطوتها كانت خطأ كبيراً، واعترض عليها حتى العديد من مسؤولي «الحزب الجيد» فاضطرت للعودة إلى الطاولة بصيغة أن يصبح المرشحان اللذان تقترح آقشينير أن يترشحا للرئاسة، وهما رئيسا بلديتي أنقرة منصور ياواش وإسطنبول أكرم إمام أوغلو، نائبين لكيليتشدار أوغلو في حال فوزه بالرئاسة.

في جميع الأحوال فقد بدأ السباق الرئاسي بترشيح «تحالف الأمة» كيليتشدار أوغلو للرئاسة مساء الاثنين الماضي في 6 آذار/ مارس مع تعهد من التحالف بإلغاء النظام الرئاسي أو تعديله ليكون «نظاماً برلمانياً قوياً» أساسه البرلمان وحكومة تنفيذية. وتعهد التحالف بتعيين رؤساء الأحزاب الخمسة الآخرين نواباً لرئيس الجمهورية. وهذه الصيغة رسالة قوية إلى الرأي العام بأن المرحلة الأولى من حقبة كيليتشدار أوغلو في حال فوزه ستكون، شكلاً، وفقاً للنظام الرئاسي ولكنها عملياً محصلة تنسيق وشراكة كاملة بين رؤساء الأحزاب الستة إلى حين إنهاء التعديلات على النظام الرئاسي وما قد يتطلبه ذلك من تعديلات دستورية أو استفتاءات أو تشريع قوانين جديدة.

وفي حال فوز كيليتشدار أوغلو بالرئاسة فإن النجاح سيكون في العودة لنظام برلماني «قوي» يتيح المجال أمام مشاركة العديد من القوى في الحكومة الجديدة ومن مشارب مختلفة بدلاً من حصر السلطة المطلقة، كما هو الآن، بيد حزب بل شخص واحد هو رجب طيب أردوغان. كذلك فإن العمل على تغيير النظام الرئاسي سيتطلب بذل الجهد الأقصى للفوز كما بالرئاسة كذلك في البرلمان، ليكون الأخير حاضنة للتغييرات في الصلاحيات من دون اللجوء إلى استفتاء شعبي.

يبقى السؤال حول حظوظ مرشح تحالف المعارضة للفوز في الانتخابات الرئاسية. من حيث المبدأ فإن المعادلات الحسابية هي على الشكل التالي: «تحالف الجمهور» من حزبي العدالة والتنمية (30-35 في المئة) والحركة القومية برئاسة دولت باهتشلي (7 في المئة) أي بمجموع 40-42 في المئة تقريباً. «تحالف الأمة» بحدود 45 في المئة. ويبقى «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي وله تقريباً عشرة في المئة.

إذا حافظت هذه التقديرات على نسبتها يكون الصوت الكردي مرجحاً لكفة هذا التحالف أو ذاك. بمعنى آخر إذا اقترع «الحزب الجيد» بإخلاص لكيليتشدار أوغلو، وفي حال صوّت مؤيدو الحزب الكردي لمرشح المعارضة فسيفوز هذا حتماً. لكن إذا تراخى مؤيدو آقشينير في التصويت لكيليتشدار أوغلو ولم يصوّت الأكراد له فهو خاسر حتماً.

وفي ضوء التصريحات والإشارات فإن فرص فوز كيليتشدار أوغلو عالية جداً وربما من الدورة الأولى، كذلك فوز المعارضة بالغالبية المطلقة وربما أكثر في البرلمان.

أما إذا لم يفز أحد من الجولة الأولى فإن نتائج الدورة الثانية مرتبطة باتجاهات التصويت عند القاعدة القومية لآقشينير، والكردية لحزب الشعوب الديمقراطي.

وفي حال فوز أردوغان فإن السياسات الحالية له ستستمر بطريقة أو بأخرى، أما إذا خسر فإن زلزالاً سياسياً هائلاً سيضرب تركيا والمنطقة والعالم وبدرجة تفوق أضعاف درجة الزلزال الطبيعي الذي حصل في 6 شباط/فبراير الماضي.

عن الكاتب:
باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات