فرصة الممكن والأمل

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

د علي محمد فخرو
ما إن أعلن عن الاتفاق الصعب، ولكن الواعد، بين الشقيقة المملكة العربية السعودية والجارة جمهورية إيران الإسلامية، والذي بالفعل يمثل تغييراً ثورياً في الساحة السياسية الخليجية، حتى قوبل بفيض متلاطم من ردود الفعل.

بعض تلك الردود تميّز بالغمز واللمز تجاه كلا البلدين، والبعض ركز على التقليل من أهمية الاتفاق، بل والشك في استمراره وجدواه، والبعض كان واضحاً أنه كان يردد ما كتب له من قبل جهات مصلحية ستضار استراتيجياتها وأهدافها لإبقاء الأمتين العربية والإسلامية في عوالم الخلافات والصراعات التي أنهكت قواهما، وأشغلتهما عن أعدائهما الحقيقيين: الاستعمار وشركات الاستغلال العولمية الجشعة، وشتى أنواع القوى الفئوية المهيمنة على الثروات والجاه والسلطان.

لكن شعوب الأمتين يجب ألا تضيع في متاهات نبش الماضي البعيد والقريب، وطرح الأسئلة الانتهازية الملغومة. بدلاً من ذلك، عليها أن تركز على طرح الأسئلة التي قد تقود إلى إغناء وتحسين روح ومكونات الاتفاق، أو التي قد تجنبه الوقوع في أوهام وشكليات مظهرية لمصلحة هذه الجهة، أو تلك.

وفي ضوء تلك الخلفية دعنا نتساءل بجدية موضوعية:

* أولاً: هل جرت مناقشات ومشاورات واتفاقات مبدئية في ما بين دول مجلس التعاون الخليجي من أجل جعل موضوع العلاقة العربية – الإيرانية مستقبلاً، موضوعاً ومسؤولية خليجية مشتركة، لها ضوابطها وتطلعاتها المتناغمة مع مصالح الأمة العربية القومية المشتركة؟

* ثانياً: والتساؤل نفسه، روحاً ومستقبلاً، ينطبق على علاقة الكثير من جوانب الموضوع مع مهمات وأهداف منظمة التعاون الإسلامي. فقد آن الأوان أن نتعامل مع قضايا الأمتين العربية والإسلامية المصيرية وتطلعاتهما المشتركة، حاضراً ومستقبلاً، بشمولية وتدرجية تقود إلى الأفضل والأقوى للجميع، تحت مظلتي رابطة العروبة من جهة، ورابطة الأخوة الإسلامية، من جهة أخرى.

مثل هذا التعامل الثنائي التجزيئي المؤقت، والذي مارسته الأمتان عبر قرون، أبقى الأمتين مكشوفتين أمام القوى الخارجية، ومتخلفتين وراء حضارة العصر، ومتنافستين بصور عبثية منهكة.

*ثالثاً: متى سنقتنع في الخليج بأن جغرافية القرب بين الضفتين، العربية والإيرانية، وتشابك المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، ومتطلبات عقيدة وثقافة الدين الإسلامي الواحد لأغلبية ساكنيه الساحقة، تحتم جميعها وجود علاقة متكافئة ومتعاونة في ما بين دولها تتصف بالأخذ والعطاء، والتسامح، وعدم التدخل في شؤون الداخل، وترك جانباً كل الادعاءات التاريخية، وبلادات أحداث الماضي الذي ولى وانتهى، ولجم وإسكات كل أصوات التطرف المذهبي والأيديولوجي والعرقي والمصلحي؟

قدرنا أن نكون هنا، وقدرنا أن نعيش هنا. وكل كسر لهذه القاعدة لن يستفيد منه إلا الأعداء الخارجيون المتربصون بكلتا الضفتين. دعنا نذكر أنفسنا بالقول الرائع الشهير: من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة، والمرأة هي كلتا الأمتين، وليست إحداهما.

لقد ارتكبت أخطاء وخطايا كثيرة ستحتاج إلى الكثير من التواصي بالحق وبالصبر. ولسنا من السذج الذين يعتقدون بأن الحلول ستكون جاهزة، وأن الطريق سيكون سهلاً. ذلك أن أحمال خلافات التاريخ ثقيلة، والأعداء كثيرون، والجهلة أكثر، وأصحاب المصالح الفئوية الأنانية يتربصون، ولن يهدأوا.

لكن الاتفاق المزمع تفعيله قريباً، هو خطوة في الاتجاه الصحيح، فالويل والويل لنا إن نحن جميعاً أضعنا فرصة الممكن والأمل التي أمامنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yyad7tdk

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"