عادي
لوحة تدعو إلى الفرح

«الجدة المثالية»..السعادة تسكن المنزل الدافئ

14:27 مساء
قراءة 4 دقائق
أدولف هومبورج

الشارقة: علاء الدين محمود

تشكل اللوحات التي ترصد تفاصيل الحياة اليومية، مصدر متعة للبصر والنفس، ذلك لكونها قريبة من الإنسان ومعبرة عن بيئته والأشياء والطبيعة من حوله، وتتميز بحس الالتقاط الفريد، والقدرة على التعبير عن الناس، ولعل ذلك من أهم الأسباب التي جعلت مثل هذه الأعمال الفنية تلقى شعبية كبيرة وتنتشر بين الناس في البيوت والمحال التجارية والمقاهي وغيرها، وذلك ما يجعلها تخلد عبر السنوات.

الرسام النمساوي أدلوف هومبورج، (1847 – 1921)، كان يعد من أبرز رسامي أوروبا، وله ممارسات فنية رفيعة المستوى، درس في أكاديمية الفنون في فيينا بين عامي (1867 و )1872، ثم أكمل دراسته في أكاديمية الفنون في ميونيخ، حيث حضر فصل للمعلم والرسام الشهير ألكسندر فون فاجنر «، وكان أن أفادته تلك التجربة كثيراً في صقل موهبته بالمعارف الفنية الأكاديمية فانعكس ذلك على أسلوبه بعد أن تطورت أدواته واكتسب مزيداً من الخبرات عبر التعلم والانفتاح على التجارب السابقة، والالتقاء بفنانين أوربيين أثروا في مسيرته الإبداعية كثيراً.

*تخصص

وعلى الرغم من التجارب الإبداعية المتنوعة، إلا أن هومبورج تخصص في رسم مشاهد الحياة الرهبانية، نتيجة لتأثره بالواقع والتربية الدينية، إلا الفنان لم يتعامل مع ذلك الأمر بصرامة كبيرة أو تزمت، حيث تميزت أعماله في تصوير الرهبان بحس الدعابة والاندماج في الواقع والحياة اليومية، عرض أعماله في ميونيخ بشكل متكرر بين عامي 1879 و1911، وبناءً على نجاحه هناك، قرر أن يقيم بصورة دائمة في تلك المدينة في عام 1913، خاصة أنها كانت تشهد ازدهاراً فنياً كبيراً، وقد لقيت رسوماته قبولاً كبيراً، فقام بعرضها كذلك في لندن، حيث حصل على جوائز عن عدد من لوحاته، فكان أن انتشرت لوحاته في عدد من المدن الأوروبية الأخرى، الأمر الذي حقق له بعض الشهرة.

«الجدة هي الأفضل»، أو«الجدة المثالية»، هي واحدة من أبرز لوحات هومبورغ، و قد شكلت له منعطفا في حياته الفنية، فعلى الرغم من تخصصه في رسم الرهبان والأديرة والطقوس الدينية، إلا أن هذه اللوحة المختلفة عبرت عن واقع مختلف نسبياً، لكونها قد رصدت واقع الحياة اليومية بعيداً عن مشاهد الرهبنة، غير أن العمل، رغم ذلك ينتمي إلى أسلوب الفنان في التقاط التفاصيل الصغيرة، والعمل على رسم لوحة تتميز بحس الدعابة والفرح والسعادة، وجاء التكوين الفني في نهاية المطاف نابضاً بالحياة وشاهداً على وقائعها ويومياتها.

* قصة

ويحكى أن رسم هومبورغ لتلك اللوحة كانت وراءه قصة، حيث طُلب منه أن يخرج من الإطار الفني الذي يقبع فيه، ويقوم برسم لوحة واقعية تعبر عن فكرة يرصد من خلالها مشاعر الإحساس بالعون والأمان، وبالفعل قام هومبورغ بتنفيذ تلك المهمة، غير أنه لم يذهب نحو أفكار غريبة، فقد عبر عن الفكرة بطريقة بسيطة في مشهديتها الواقعية، وهو الأمر الذي وجد قبولاً كبيراً من قبل الذين اطلعوا على العمل الذي انتشر ولقي شعبية جارفة، خاصة أن اللوحة ترصد حياة الناس البسطاء والفقراء وبحثهم عن السعادة رغم ظروف الحياة القاسية، وكأن الفنان أراد أن يبعث رسالة مفادها أن الفقر لا يمنع من الاستمتاع بالحياة، وقد تأتي الفرحة نتاج تفصيلة صغيرة، أو تكمن في دفء الحياة الأسرية وقرب الناس من بعضها بعضا، لذلك نلاحظ أن الأثر الديني، رغم غيابه عن اللوحة في شكل مشاهد أو طقوس، إلا أنه يحضر في صورة قيم وتعاليم.

اللوحة تصور مشاهد وتفاصيل يوم في حياة أسرية ريفية بسيطة تعيش في ظل الفقر وشظف العيش، و يبرز في مشهد العمل جدة كبيرة في السن ترتدي ثوباً كاملاً بلون من درجات الأحمر القاني، تضع طفلاً صغيراً «حفيدها»، في حجرها بطريقة مقلوبة، وتقوم بخياطة بنطاله الأزرق، وبالقرب منها حفيدة أخرى لها تراقب المشهد باهتمام شديد وهي ترتدي تنورة حمراء بلون فاتح وتحمل دمية تخبئها خلف ظهرها، ويلاحظ المشاهد أن المنزل متواضع جداً ومتقشف الأثاث، ويبرز على الجانب الأيسر من اللوحة باب يفضي إلى صالة أو ربما غرفة تبدو هي الأخرى فقيرة التأثيث، وعلى الحائط أوانٍ منزلية معلقة، مما يشير إلى عدم وجود دولاب أو خزانة مخصصة لتلك الأغراض، وعلى الجهة اليمنى من المشهد، على ذات المائدة، توجد قطعة قماش أبيض، وسلة بها مقص، بينما لا يوجد شيء ذي قيمة على الأرضية بخلاف قطعة خشبية تضع الجدة عليها قدمها، وقدر، وبعض الأخشاب التي ربما تستخدم في التدفئة والطهي.

على الرغم من فقر الأسرة، إلا أن اللوحة تعكس حجم السعادة التي تعيشها تلك الأسرة، وهي بادية في وجوه الأشخاص في اللوحة، فهم سُعداء بثيابهم الرثّة وأثاثهم البالي، حيث يبتسم الصغير، وهو متكئ على حجر جدته، للناظر وكأنه يملك الدنيا وهو ينعم بدفء الحياة بقرب جدته التي تبدو فرحة هي الأخرى بأحفادها من حولها، فيما تبدو الفتاة وكأنها تنتظر أن تنتهي الجدة من ترقيع ملابس الطفل لكي يعودا للعب معاً، ويسكن البيت الإحساس بالأمان والسكينة، ويلاحظ المشاهد أن الفنان لم يتخل عن أسلوبه في نشر حس الدعابة في أجواء المشهد، ورسم الضحكة في الوجوه. واللوحة تقف شاهدة على براعة الفنان في توظيف وتوزيع الألوان الزيتية الساطعة المميزة التي تبهج النفس، عبر صناعة حوارية بين اللون والضوء ودرجات الظلال المختلفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2d25xakd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"