قراءة في نمو وظائف فبراير

22:53 مساء
قراءة 4 دقائق

رايان ماكماكين *

تشير بيانات الوظائف الأخيرة الواردة من مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، وارتفاع الإجمالي منها غير الزراعية بمقدار 311 ألف وظيفة في فبراير/شباط إلى استمرار المرونة في سوق العمل، حتى لو لم تكن الأرقام بنفس الجودة التي حاولت إدارة بايدن إظهارها. ومع ذلك، يظهر التقرير أننا لم نشهد بعد عمليات تسريح واسعة النطاق للعمال تتجاوز بالفعل إجمالي عمليات التسريح المتزايدة مؤخراً ضمن قطاع التكنولوجيا.

تعكس القوة النسبية الحالية في سوق العمل جزئياً الفائض النقدي المستمر لسنوات من النمو السريع في تضخم «الكاش». ومن الواضح أن 6 تريليونات دولار من الأموال التي وُجدت حديثاً منذ عام 2020 لا تزال عاملاً إلى حد كبير في الاقتصاد الحالي. وحتى مع الانهيار التاريخي في نمو المعروض النقدي منذ الخريف الماضي، يبدو أن الاقتصاد لا يزال في المراحل الأولى فقط من الانهيار الاقتصادي المتوقع في أعقاب التباطؤ النقدي.

وعلى الرغم من الأخبار الجيدة عن استمرار نمو الوظائف، إلا أن الأسواق تراجعت بعدها على الفور. ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أنه في بيئة السياسة الحالية، فإن الأخبار الجيدة في سوق العمل تُعد سيئة في بيئة «وول ستريت»، والمستثمرين، وقطاع العقارات، الذين يفسرون تقرير الوظائف القوي مؤشراً على مواصلة الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة، وهم ينشدون العكس تماماً، والعودة إلى بيئة ذات معدلات فائدة منخفضة للغاية وأموال سهلة.

وبمجرد أن نلقي نظرة فاحصة على أرقام التوظيف والمؤشرات الاقتصادية الأخرى، نرى الكثير من المؤشرات على أن الركود في طريقه إلينا بالفعل. إذ تشير البيانات الاقتصادية الضعيفة في التصنيع، ونمو الأجور الحقيقية دون مواكبة التضخم، وأسعار المساكن، إلى تراجع اقتصادي شامل.

لقد سجل نمو الوظائف على أساس شهري معدلات إيجابية بشكل عام، ووضع فبراير حداً لاتجاه سائد في التوظيف طيلة ستة أشهر، حيث كان النمو في التوظيف بدوام كامل أضعف باستمرار من النمو في العمل بدوام جزئي. لكن في التقرير الأخير، نما التوظيف بدوام كامل وعلى أساس شهري بمقدار 998 ألف وظيفة (غير معدلة موسمياً)، في حين نما التوظيف بدوام جزئي بمقدار 24 ألف وظيفة. ومع ذلك، عند مقارنة النمو على أساس سنوي، فإن الأرقام تظهر استمرار الاضطراب الاقتصادي.

هناك علامة أخرى تدل على وجود مشاكل في اقتصاد الوظائف وهي الانخفاضات الأخيرة في فرص العمل في مواقع التوظيف للقطاع الخاص. فبينما تظهر بيانات المسح الفيدرالي أن فرص العمل لا تزال بالقرب من أعلى مستوياتها منذ عدة عقود في عام 2022، تشير البيانات الواردة من موقع نشر الوظائف «إنديد» إلى تراجع فرص العمل الجديدة بشكل كبير منذ أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، مع انخفاض المؤشر إلى أدنى مستوى تم الإبلاغ عنه منذ يوليو/تموز 2021.

في واقع الأمر يُعد هذا مقلقاً بشكل خاص، لأن بيانات المسح الفيدرالية مستمرة في التدهور من حيث معدل الاستجابة للاستطلاعات. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شهد مؤشر «مسح فرص العمل ومعدل دوران العمالة»، الذي يقدر أعداد الوظائف الشاغرة، انخفاض معدل الاستجابة من حوالي 60% إلى 31%. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا الاستطلاع سيخبرنا بالكثير عن الاقتصاد الأوسع بعد الآن.

وفي السياق أيضاً، وبحسب بيانات الوظائف الأخيرة، يبدو أن فبراير سيصادف أيضاً الشهر الثالث والعشرين على التوالي الذي فشل خلاله نمو الأجور في مواكبة تضخم الأسعار. فرغم زيادة متوسط الأجور بالساعة (على أساس سنوي، غير معدل موسمياً) بنسبة 4.57%، إلا أن تقديرات «ناوكاست» من بنك الاحتياطي الفيدرالي في «كليفلاند» أشارت إلى أن تضخم الأسعار في فبراير سيحقق 6.2%، أي بالقرب من قراءة مؤشر أسعار المستهلكين الرسمية الأخيرة والتي جاءت عند 6%، وهذا يعني أن نمو الأجور كان سالباً ب «القيمة الحقيقية».

بطبيعة الحال، مع انخفاض الأجور الحقيقية، تأثرت أيضاً القدرة على مواكبة نمو أسعار المساكن. حيث أبلغت شركة الوساطة العقارية السكنية «Redfin» عن انخفاض في أسعار المنازل لأول مرة منذ عام 2012. كما استمرت أحدث بيانات أسعار المنازل من «كايس شيلر» في التراجع منخفضة إلى 5.8% في ديسمبر. وفي الوقت نفسه، انخفضت أعداد منازل الأسرة الواحدة الجديدة المباعة بنسبة 19% في يناير، على أساس سنوي. وخلال نفس الفترة، شهد مؤشر «بدء الإسكان» تراجعاً كذلك بنسبة 21%.

وللعثور على اتجاهات مقلقة أخرى، لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن ديون بطاقات الائتمان قد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال العام الماضي، في حين ظل معدل الادخار الشخصي أقل بكثير من متوسط ما بعد عام 2009.

نستنتج مما سبق أن كل هذه الاتجاهات هي جزء من السبب الذي يجعل الاقتصاديين في مؤسسات مالية عدة يتوقعون ركوداً قادماً في عام 2023 أو العام الذي يليه. ولا ننسى الأنباء الاقتصادية السيئة المتمثلة بانهيار بنك وادي السيليكون وكيف سيؤثر ذلك في الاقتصاد الأكبر. انهيارٌ هو الأول من نوعه منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وثاني أكبر انهيار على الإطلاق في تاريخ البلاد.

يوضح نمو الوظائف المستمر في شهر فبراير المدة التي يمكن أن تستغرقها فترات التضخم النقدي الطويلة عادة حتى تتلاشى. كما أن سنوات من الاستثمار السيئ وفقاعات الأسعار والتضخم الحاد ستؤدي في النهاية إلى انهيار اقتصادي. ومع ذلك، من المستحيل دائماً التنبؤ بالتوقيت.

* محرر أول في معهد ميزوس

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8v3z8f

عن الكاتب

محرر أول في معهد ميزوس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"