حرب باردة ثانية!

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

تتصاعد المخاوف من أن استمرار التوتر بين الصين والولايات المتحدة سيقود حتماً إلى حرب باردة جديدة، وصفها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق بأنها ستكون أخطر من الحرب الباردة الأولى التي اندلعت مع الاتحاد السوفييتي خلال الفترة بين منتصف الأربعينات وحتى أوائل تسعينات القرن الماضي.

 يستند كيسنجر، الدبلوماسي المحنك ومهندس السياسة الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، إلى أن مكمن الخطورة يتمثل في أن كلا الدولتين تمتلكان موارد اقتصادية متشابهة، وهو ما لم يكن عليه الحال خلال الحرب الباردة الأولى. ويرى كيسنجر، في حديثه لصحيفة إسبانية مؤخراً، أن الصين والولايات المتحدة تحولتا في الوقت الراهن إلى خصمين، ولا يجوز انتظار أن تتحول الصين نحو الغرب. ويشير إلى أن الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة قد تبدأ في أية لحظة.

 لكن إلى جانب الاقتصاد، حيث تحولت الصين إلى قوة اقتصادية عظمى، لم تعد منافساً فقط للاقتصاد الأمريكي وإنما بدأت التفوق عليه كماً ونوعاً، هناك أيضاً تعاظم القوة العسكرية، وارتفاع منسوب التوتر بين الجانبين حول جزيرة تايوان، وما يمكن تسميته بملف «التجسس» سواء عبر المناطيد والبالونات أو تطبيق «تيك توك»، ناهيك عن التقارب الصيني - الروسي وبلوغه مرحلة الشراكة والتحالف الاستراتيجي، وكذلك تزايد النفوذ الدبلوماسي الصيني الذي بات يهدد مواقع النفوذ الأمريكي في العالم.

 والحقيقة أن بوادر الحرب الباردة الصينية الأمريكية ظهرت مبكراً في عهد الإدارة السابقة، عبر الحرب التجارية والعقوبات التي أعلنها ترامب على الشركات والمنتجات الصينية، وعلى الكيانات والمسؤولين الصينيين، والتي كادت أن تتحول إلى حرب ساخنة في أواخر عهده. ومع مجيء إدارة بايدن، تذبذبت العلاقات الصينية - الأمريكية، بين محاولات جذب بكين نحو العالم الغربي ودفعها نحو الشرق، إذ عملت إدارة بايدن مبكراً على محاصرة الصين وبحرها الجنوبي بالأحلاف العسكرية الأمنية العسكرية ( أوكوس وكواد)، وزادت من منسوب التوتر حول تايوان بإرسال الوفود الدبلوماسية المستفزة لبكين، على غرار زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، وتزويدها بالأسلحة الحديثة والمتطورة. حتى الحرب الأوكرانية وتداعياتها، والاتهامات الموجهة إلى بكين بالوقف إلى جانب روسيا اقتصادياً وعسكرياً، كلها عوامل لعبت دوراً في خيارات الصين، التي لم تتحول نحو الغرب مثلما كان يرغب كيسنجر والولايات المتحدة، بل اتجهت شرقاً نحو روسيا والشرق الوسط، من دون أن تتخلى عن مواقع نفوذها في إفريقيا على حساب تراجع النفوذ الأمريكي، أو تعزيز علاقاتها من الكثير من دول أمريكا اللاتينية. 

 وفي رده على ذلك، قال وزير الخارجية الصيني السابق وانغ يي، إن بدء «حرب باردة جديدة» بين الصين والولايات المتحدة، سيكون بمثابة الكارثة بالنسبة للعالم بأسره. وشدد على ضرورة عودة واشنطن إلى السياسة العقلانية والبراغماتية تجاه الصين، وإلى المسار الصحيح مع الحفاظ على الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية. لكن هل ستغير الولايات المتحدة عقليتها المتمرسة على الحروب الباردة والساخنة معاً، أم أنها ستطلق العنان لحرب باردة جديدة ربما تكون قد بدأت بالفعل؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xzj6kc7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"