مفارقات الاستلاب الفني

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يمكن الحديث عن أصالة الهويّة الفنيّة؟ المقصود هو أن يكون الإنتاج الفنيّ نابعاً من المنتج، من منظومة قيمه المستمدّة من انتماءاته، من أصالة فكره وإبداعه، من الخلفيات التي يمثّلها وتمثّله، ومن الغذاء الروحي الثقافي الذي يتناوله من حقول الثقافات والحضارات مشرقاً ومغرباً، ولكنه يهضمه، ويكون تمثيله الغذائي على الطريقة التي تغدو مخرجاتها هي هو، كأنها تجسيد للرائعة الصوفية: «روحه روحي وروحي روحهُ.. من رأى روحين عاشا في جسدْ».
ثمّة فكرة قيلت في شأن المسرح الكوميدي يمكن الاستفادة منها في جميع الفنون المسرحية، في المسرح والمسلسلات والسينما، وهي أن المستوى الأرقى هو كوميديا الموقف، كوميديا الفكرة. بعبارة أخرى، على المنتج أن يتجنّب الإثارة المتكلّفة، حتى لا يقال له: ما هذا الإصرار على مسارح التهريج التي لم ينقذنا منها المنتجون منذ أوائل القرن العشرين؟ في هذا المجال يظل كتاب «الضحك»، للفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون مرجعاً فريداً لمعرفة ما يخفيه التصنّع والتهريج والابتذال من سلبيات. استطراد ضروري: على مدارس الفنون الجميلة في فرعي المسرح والسينما أن يضيفوا إلى مناهجهم علم النفس والفلسفة.
عندما تكون المادّة هزيلة سطحيّة يهرب المنتج إلى هرمونات يُسمنها بها، حتى لا تبدو من هزالها كُلاها، فيلجأ إلى البذاءة اللغوية ومشاهد «إثارة الغرائز» وفي الشهر الفضيل بالذات، فهو هوليوودي الهوى من «أخمص رأسه إلى أمّ قدمه». ثم إن واسطة العِقد الإنتاجي التي تصرف النظر عن خواء المحتوى، تتمثّل في العنف و«الأكشن» الأخشن، بالأسلحة الباردة والحامية. الذريعة جاهزة: نحن لا نزيد على تصوير مشاهد من واقع المجتمعات، وهدم الأسنان ليس جديداً على البشرية.
كل ما نرجوه من منتجي المسلسلات هو أن يراعوا بعض الأمور التي لا تخطر لهم على بال. انتظروا عقدين أو ثلاثة ريثما تصير للعالم العربي مئات مراكز البحث العلمي، فالأمريكان الذين تقلّدونهم في السلبيات وفنون الإثارة، لديهم أرقى الجامعات وآلاف المراكز العلمية وثمانمئة قاعدة عسكرية، ومطابعهم تمطر الدنيا بالدولارات بلا سند من الذهب. انتظروا ريثما تبصر النور لدى العرب تنمية شاملة تخرج بلداناً عربية عدّة من الظلمات الاقتصادية إلى أنوار النمو واللحاق بركب الدول المتقدّمة. انتظروا ريثما تشبع البطون وتنفتل العضلات. انتظروا ريثما تُمحى الأمّية. أنتم تضيفون إلى التخلف التنموي تخلّفاً أخلاقيّاً وسلوكيّاً، وتزيدون الكساء المهلهل اهتراء.
لزوم ما يلزم: النتيجة التقليدية: الفقرتان الأخيرتان جاءتا مثل «فشة خلق» من صائم. لكن «يستاهلوا».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/xahbyb7d

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"