الصين وأزمة أمريكا المصرفية

23:08 مساء
قراءة 4 دقائق

ستيفن روتش *

لا توجد أزمتان متشابهتان، وهذا ينطبق على أمور كثيرة من بينها اضطرابات مالية على غرار الأزمة المصرفية الأخيرة، وقبلها الأزمة المالية الآسيوية أواخر التسعينات، وأزمة الإنترنت عام 2000، والأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009. وينطبق أيضاً على الاضطرابات التي تسببها الصدمات الجيواستراتيجية، مثل الحروب والأوبئة والمجاعات.

اليوم، نترقب تفاعلاً محموماً قادماً بين مصدري الاضطراب هذين: «أزمة مالية» انعكست في فشل بنك وادي السيليكون وتداعياته الدولية، و«أزمة جيواستراتيجية»، على شكل حرب باردة متفاقمة بين الولايات المتحدة والصين. ومع أن أصول كل أزمة مختلفة عن الأخرى، إلا أن نتائجهما المتكشفة من المرجح أن تكون مترابطة، ومؤثرة في جميع الأطراف.

يتحدث مراقبون عن أن فشل «إس في بي» هو مجرد عارض بسيط لمشكلة نظام مالي أمريكي أوسع غير مستعد على الإطلاق لجموح التضخم وما يصاحب ذلك من تطبيع للسياسة النقدية. وقد كان مديرو المخاطر في البنك المتعثر في حالة إنكار تام لمثل هذه النتيجة، مما عرض المؤسسة لخسائر حادة في محفظة سنداتها غير المحمية، والبالغة قيمتها 124 مليار دولار.

ولا يمكن إلقاء اللوم على المودعين المذعورين، وبالأخص الشركات الأمريكية الناشئة الذين تخارجوا من «إس في بي» بحثاً عن ملاذات آمنة، وبأنهم لم يعتنوا بالمؤسسات المالية التي يعهدون إليها بأصولهم، فهذه المهمة تقع على عاتق مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي، للأسف، كان سبباً في اندلاع الأزمة. بدءاً من التسهيلات النقدية المتهورة التي أدت إلى استمرار سلسلة خطيرة من فقاعات الأصول، من الإنترنت والإسكان إلى الائتمان والأصول طويلة الأجل، وانتهاءً بالتشخيص الخاطئ للتضخم على أنه «مؤقت»، وبينهما إشراف غير مسؤول له أبعاد هائلة، ركز خلاله الفيدرالي على البنوك الكبيرة وأغفل تلك الإقليمية الأصغر مثل «إس في بي»، و«سيجنتشر»، و«فيرست ريبابليك»، حيث ضربت الأزمة.

وهذا أمر محبط بشكل خاص في أعقاب اعتماد نظام إشراف جديد بعد أحداث 2008، وهو «اختبارات الإجهاد المصرفي». فماذا لو أصبحت هذه الاختبارات «المعيار الذهبي» للبنوك لتقليل مخاطر انتقال العدوى المالية.

واختبار الإجهاد هو تحليل يتم إجراؤه في ظل سيناريوهات افتراضية مصممة لتحديد ما إذا كان لدى البنك رأسمال كافٍ لتحمل صدمة اقتصادية سلبية. وقد حدد اختبار الإجهاد الأول مطلع عام 2009 بفعالية تفاصيل مهمة لمستوى الأزمة آنذاك، وكشف أن البنوك الكبرى يمكن أن تصمد أمام أسوأ الضربات التي تسبب بها الركود المزعج بالفعل. لكن مع مرور الوقت، أصبحت اختبارات الإجهاد مجرد تمرين روتيني بلا إدراك حقيقي. واستلقت البنوك الكبرى على وسائد مريحة من رأس المال مستبعدة أي فشل في النظام في حال حدوث صدمة ركود كبيرة. والاحتياطي الفيدرالي بدوره يستخدم اختبار الإجهاد السنوي من وقت لآخر، تحذيراً لعدد قليل من المؤسسات كي تحسن ممارسات إدارة المخاطر أو تعزز كفاية رأس المال لديها.

ولأن سلسلة من وزراء الخزانة، ورؤساء بنك الاحتياطي الفيدرالي، والمديرين التنفيذيين للبنوك، وحتى رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين أجمعوا على التباهي بالنظام المالي الأمريكي الذي كان في حالة ممتازة، كان لا بد أن نشهد تحولاً جديداً قادماً يختبر اختبار الإجهاد نفسه الذي عانى عيوباً كبيرة، وتحول إلى مجرد تمرين غير متكافئ لتقييم المخاطر، يفحص أداء البنوك الكبيرة في حالة حدوث ركود شديد «افتراضي» جرّاء الانخفاضات الحادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والبطالة المتزايدة، وتدهور أسواق الأصول، والصدمات التي يُفترض أنها مصحوبة بتجدد معدلات التضخم وانخفاض أسعار الفائدة.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الصدمات الافتراضية، التي يسميها الفيدرالي «سيناريو سلبي شديد من جانب الإشراف»، هي بالضبط عكس صدمة أسعار الفائدة التي أصابت بنك وادي السيليكون. ففي اختبار الإجهاد في فبراير/شباط 2023، أقر الاحتياطي الفيدرالي بالحاجة إلى البدء في التفكير على نطاق أوسع بالصدمات المختلفة، وسمح بإمكانية حدوث «صدمة سوق استكشافية» جديدة، ربما تجوز تسميتها ركوداً، وإن كان مصحوباً بتضخم أعلى. ولكنه ومع قرب نهاية تقرير اختبار الإجهاد الأخير، أوضح الفيدرالي أن النتائج لن تكون متاحة حتى يونيو/حزيران من العام الجاري. ولم يكن هناك ما يشير إلى أن مثل هذه النتائج ستعمم على البنوك الإقليمية الأصغر.

إذن، ما علاقة هذا بالصين والصراع الصيني الأمريكي المتصاعد؟ على مدار العشرين عاماً الماضية، جادلت مجموعة من الشخصيات المرموقة في القيادة الصينية بأن أمريكا في حالة تدهور دائم، مما يوفر فرصة للصعود العالمي للصين. وحظيت هذه الرؤية بالدعم في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ومن المؤكد أنها ستتعزز من أحداث «إس في بي» التي ضربت قطاعاً جديداً في النظام المالي الأمريكي.

وفي الوقت الذي يعاني فيه النظام المالي الغربي مرة أخرى ضعفاً «صنعه هو بنفسه»، فإن صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ يعانقان بعضهما في الكرملين «كأصدقاء عزيزين» تحكي كل شيء. ويبدو أن الصين تنظر إلى حربها الباردة مع أمريكا في أوكرانيا كثمن زهيد تدفعه لتعزيز هيمنتها الجيواستراتيجية.

وهذا بالضبط هو الهدف من التفاعل المقلق بشكل متزايد بين صدمة مالية أمريكية أخرى وصدمة جيواستراتيجية متمثلة بحرب باردة صينية أمريكية متصاعدة بشكل حاد. ومن خلال هذا التفاعل، تسعى بكين إلى إصابة أهدافها في أمريكا المعرضة للأزمات.

* خبير اقتصادي أمريكي والرئيس السابق ل «مورغان ستانلي» آسيا، وعضو الهيئة التدريسية بجامعة ييل

(بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2adufszk

عن الكاتب

خبير اقتصادي أمريكي والرئيس السابق ل «مورغان ستانلي» آسيا، وعضو الهيئة التدريسية بجامعة ييل

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"