تحديث السلع من «ساكسو بنك»: ثبات الذهب وارتفاع البلاتين وتراجع النحاس

16:48 مساء
قراءة 8 دقائق

يسير قطاع السلع في منحنى تنازلي نتيجة المخاوف المتعلقة باحتمالية أن يسهم ضعف الأداء الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا بإبطال التأثير الإيجابي لتعافي النشاط التجاري في الصين. ويأتي تراجع القطاع في أعقاب الانطلاقة القوية التي حققها مطلع الشهر الجاري بفضل تخفيض مجموعة أوبك بلس لإنتاج النفط بهدف دعم قطاع الطاقة، إلى جانب انخفاض توقعات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ودوره في تعزيز قطاع المعادن الثمينة. ويحافظ مؤشر بلومبيرج لإجمالي عائدات السلع، الذي عمدت العديد من الصناديق المتداولة في البورصة إلى محاكاته، على مستويات ثابتة في شهر أبريل مع تسجيل انخفاض بنسبة 5% على أساس سنوي، علماً أن المؤشر يقيس أداء العقود الآجلة لـ24 سلعة رئيسية متنوعة تشمل الطاقة والمعادن والزراعة.

ورغم تراجع أرباح المعادن الثمينة والطاقة، شهد المؤشر أداءً قوياً للسلع الخفيفة خلال الشهر الجاري وعلى رأسها القهوة والسكر، اللذين ارتفعت مستويات تداولهما نتيجة مخاوف مرتبطة بالطلب لدى كبار المنتجين في آسيا وأمريكا الجنوبية. وسجلت تداولات العقود الآجلة للسكر الخام في نيويورك أعلى ارتفاع لها منذ 11 عاماً، حيث ازدادت بواقع 25 سنتاً للرطل بسبب ضعف إنتاج المحاصيل في الهند وتايلند، اللتين تشكلان أكبر جهات مصدّرة للسكر، مما يساعد على انخفاض مستويات المخزونات العالمية لأدنى مستوياتها خلال 10 سنوات.

  • النفط الخام

اتجهت أسعار النفط الخام نحو أكبر خسارة أسبوعية لها منذ الشهر الماضي الذي شهد عمليات بيع كبيرة نتيجة اضطرابات البنوك والقطاع المصرفي، حيث تم فقدان معظم الأرباح الناتجة عن إعلان مجموعة أوبك بلس تخفيض إنتاج النفط يوم 2 أبريل الجاري. ويستمر انخفاض الأسعار مدفوعاً بتراجع البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة وانخفاض هوامش البنزين والديزل، مما يشير إلى ضعف الأساسيات. كما فرضت التطورات الأخيرة على المتداولين تقليل العقود طويلة الأجل التي اشتروها بعد إعلان خفض إنتاج النفط، ليصبح تداول خام برنت بسعر 84.5 دولار للبرميل وخام غرب تكساس بسعر 80 دولاراً للبرميل.

وتفاقم هذا التراجع نتيجة عمليات البيع الفنية التي أجراها المتداولون في إطار مساعيهم لردم الفجوات الناجمة عن عودة ارتفاع الأسعار بشكل كبير يوم 3 أبريل، والتي بلغت 80 دولاراً لبرميل خام برنت و75 دولاراً لبرميل خام غرب تكساس. ويكمن التحدي حالياً في إمكانية تحقيق استقرار هذه المستويات، إذ قد يؤدي استمرار تقلبها إلى مزيد من عمليات البيع الكبيرة وقصيرة الأمد، وبالتالي اضطرار أوبك لتعزيز إجراءاتها الوقائية.

وواجه المتداولون تحديات عصيبة بسبب تقلب السوق على مدار شهرين، بدءاً من الأزمة المصرفية وخفض مجموعة أوبك بلس لإنتاج النفط، ووصولاً إلى استمرار المخاوف الراهنة بشأن مخاطر الركود الاقتصادي وتأثيره على مستويات الطلب. ويشكل الركود الاقتصادي حالة قلق في سوق المنتجات المكررة حالياً، حيث تعاني الهوامش من أعباء وضغوطات كبيرة في جميع المناطق الرئيسية. ويتصدر الديزل قائمة هذا الانخفاض، حيث يتم استخدامه لتشغيل الآليات الثقيلة مثل الشاحنات ومعدات البناء. وقد يؤدي استمرار انخفاض هوامش التكرير خلال موسم ذروة الطلب إلى تراجع مستويات الطلب على المنتجات المكررة، وبالتالي هبوط الطلب على النفط الخام.

ويحافظ ساكسو بنك على توقعاته باستمرار تداول خام برنت بحدود 80 دولاراً للبرميل في المستقبل القريب، كما نترقب الارتفاع المتوقع في الطلب خلال النصف الثاني من العام حتى ولو كان منخفضاً، وفقاً لتوقعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية في أحدث تقاريرها حول سوق النفط. وبالتالي، من المرجح أن يسفر هذا المنعطف عن ارتفاع الأسعار وتفاقم قصور العرض الناشئ حالياً في النصف الثاني من العام الجاري. وفي المقابل، ما تزال توقعات تعافي مستويات الطلب غير متوافقة مع النتائج المسجلة في الصين، حيث تسهم زيادة الإقبال بشكل كبير على السفر الجوي في حدوث الارتفاع المتوقع.

  • ثبات أسعار الذهب والفضة

تحول تركيز تجار الذهب خلال الأسبوع الماضي نحو تثبيت الأسعار بعد انخفاضها إلى ما دون حاجز الـ 2,000 دولار أمريكي للأونصة، ويأتي ذلك في أعقاب وصولها إلى 2,048 دولار أمريكي بواقع 22 دولاراً أقل من أعلى مستوى مسجل للذهب في عام 2022. وكان قد فات الأوان لإجراء عملية تصحيح للأسعار بعد ارتفاعها بنسبة 13% منذ مطلع شهر مارس الماضي، حينما أدت الأزمة المصرفية إلى حدوث تحول جذري في التوقعات حول أسعار الفائدة قصيرة الأمد في الولايات المتحدة. كما حظيت الفضة ببعض الدعم بعد ارتفاع أسعارها بنسبة 31% منذ مطلع شهر مارس، لتصل إلى أعلى مستوى مسجل لها في عام واحد تجاوز 26 دولاراً للأونصة.

ويشير تراجع الدولار الأمريكي مؤخراً وتقلبات العائدات الحقيقية على مدار 10 أعوام إلى شدة ارتفاع أسعار الذهب والفضة في السوق، التي لا يمكن تفسيرها من خلال العلاقة العكسية المعتادة مع الدولار والعائدات. وشكلت الأزمة المصرفية الشهر الماضي الدافع الرئيسي لحدوث تحول جذري في توقعات السوق، الذي تمثل في تحويل منحنى صناديق الاحتياطي الفدرالي من الارتفاع المستمر إلى الهبوط بشكل حاد قبل نهاية العام.

وأسهم انخفاض العائدات، التي ارتفعت جزئياً في الوقت الراهن، في تحفيز أول موجة ارتفاع للطلب من المشاركين في الأسواق المالية مثل مستثمري القطاع الخاص ومدراء الأصول المساهمين عن طريق الصناديق المتداولة في البورصة. وواظب المستثمرون على بيع الصناديق المتداولة في البورصة والمدعومة بالسبائك خلال الـ 11 شهراً الماضية، لكنهم لاحظوا زخماً كافياً في الذهب وبوادر تحديات في منتجات أخرى، ما دفعهم إلى تعزيز تركيزهم على الذهب بشكل أكبر. ومع ذلك، لم يصل إقبال هؤلاء المستثمرين على الذهب إلى المستوى الكافي لدفع عجلة السوق فعلياً، حيث قاموا ببيع 465 طن بين أبريل 2022 والأزمة المصرفية التي نشأت الشهر الماضي، ليرتفع إجمالي الحيازات بواقع 50 طن منذ ذلك الحين.

واستجاب المضاربون في مؤشر كومكس الأمريكي للعقود الآجلة للذهب إلى الزخم الإيجابي الذي سجلته الأسعار الشهر الماضي، حيث انطلقت موجة شراء على مدار أربعة أسابيع هي الأقوى منذ منتصف عام 2019. وارتفع صافي عقود الشراء خلال تلك الفترة بواقع 121 ألف لوت أو 12.1 مليون أونصة، ليسهم توجه السوق حالياً نحو التثبيت في تقليل بعض العقود طويلة الأجل التي تم توقيعها مؤخراً.
وتشير التوقعات على المدى القصير إلى اعتماد حالة التثبيت وخطورة انخفاض الأسعار، غير أن ساكسو بنك يحافظ على توقعاته المتفائلة حول المعادن الاستثمارية، بالاعتماد على التطورات والتوقعات التالية:

  • استمرار تهاوي الدولار بالتزامن مع انحسار التباين في العائدات.
  • أدى رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة إلى ذروتها، خلال المناسبات الثلاث السابقة في العشرين عاماً الماضية، إلى تحقيق أرباح كبيرة للذهب في الأشهر والأرباع السنوية التي تلت ذلك.
  • من المتوقع استمرار الطلب من جانب البنوك المركزية نتيجة مساهمة سياسات تقليل الاعتماد على الدولار في جذب الطلب من العديد من البنوك المركزية. وما يزال مجهولاً مدى حساسية الأسعار عند حدوث هذا الطلب، حيث نتوقع أن تكون محدودة دون أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى عرقلة استمرار عملية التجميع.
  • نرى أن التضخم سيبقى في حدود توقعات السوق وسينخفض إلى مستوى 2.5% في المدى القريب وليس الطويل، مما يفرض عملية إعادة تسعير للذهب لتعويض انخفاض العائدات الحقيقية.
  • تزايد الاضطرابات الجيوسياسية نتيجة التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب.
  • سيشكّل انخفاض عدد المستثمرين في الصناديق المتداولة في البورصة عامل دعم إضافي في حال أسهمت العوامل المذكورة في حدوث الارتفاع المتوقع.

واقترب الذهب من مستوى 240 دولاراً منذ 8 مارس الماضي، ليتحول تركيز السوق على المدى القصير إلى عملية التثبيت، مع المخاطر التي تحملها عمليات البيع طويلة الأجل لعقود الشراء الموقعة مؤخراً وضغوطاتها على السوق. وقد يساهم تراجع الزخم الناجم عن الهبوط دون معدله المتحرك لفترة 21 يوماً، الذي يبلغ حالياً 1995 دولاراً، في إطلاق عملية تصحيح أكبر لتخفيضه إلى ما يتراوح بين 1955 و1960 دولاراً.

  • ارتفاع أسعار البلاتين

حقق البلاتين أفضل أداء بين المعادن خلال مرحلة التصحيح الأخيرة، حيث يُستخدم في مجالات متعددة مثل تصنيع أجهزة المُحولات المُحفزة وتقنيات الهيدروجين الأخضر والمجوهرات والطلب على الاستثمار. ونجح البلاتين خلال الشهر الماضي، ولا سيما في الأسبوع الأخير، في تقليص الفجوة التي تفصله عن الذهب بأكثر من 140 دولار أمريكي. كما تحسّن الاتجاه التصاعدي بعد أن تجاوز البلاتين يوم الجمعة المقاومة المُتحولة إلى دعم عند 1100 دولار أمريكي لكل أونصة. وأمّا من المنظور الاستثماري، يراقب المتداولون بشكل رئيسي نسب التفاوت بين المعادن لتقييم قيمتها النسبية. وانخفضت نسبة البلاتين/الذهب خلال الشهر الماضي لمستوى الدعم عند 0.49، الذي ظهرت عنده قوة البلاتين النسبية في ثلاث مناسبات سابقة خلال العام الماضي، قبل أن ترتفع إلى نسبة 0.555 الحالية، لتعكس تحسناً في الأداء بنسبة 13%.

وانطلقت عملية التصحيح في أسعار الذهب الأسبوع الماضي، غير أن البلاتين بقي مدعوماً في ظل المخاوف المرتبطة بالعرض من جنوب أفريقيا، والتي تواجه اضطرابات متكررة في الطاقة مرتبطة بروسيا. كما أكد المجلس العالمي لاستثمار البلاتين مدى محدودية مقتنيات المستثمرين والمضاربين من المعدن الأبيض. ونجح الذهب خلال ارتفاع الأسعار الأخير في استقطاب 114 ألف لوت من عمليات الشراء بالمضاربة على مدى خمسة أسابيع لغاية 11 أبريل، في حين اشترى متداولو البلاتين 9 آلاف لوت ونجحوا بالكاد في تحويل عمليات البيع على المكشوف إلى صافي عمليات بيع طويلة الأجل عند 5.6 ألف لوت فقط.

وستحدد قدرة البلاتين على الاستقرار فوق حاجز الـ 1100 دولار للأونصة، مدى احتمالية ظهور أي نقاط قوة جديدة وإمكانية استمرار استقطاب الطلب عن طريق الصناديق المتداولة في البورصة، التي سجلت الأسبوع الجاري أعلى ارتفاعٍ لها خلال الأعوام الثلاثة الماضية لتصل إلى 3.2 مليون أونصة، الذي يمثل أعلى مستوياتها على مدى ثمانية أشهر، علماً أنّ الأخير يعد شرطاً أساسياً لحصول عجز بالعرض في السوق من شأنه دعم الأسعار.

  • تداولات الغاز

تقترب تداولات الغاز من أدنى مستوياتها في أوروبا عند 40 يورو لكل ميغاواط ساعي (13 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية)، مع التركيز على ضعف الطلب ووصول مستويات المخزون إلى 57%، مما يمثل ارتفاعاً بواقع 20% عن النسبة المعتادة لهذا الوقت من العام. ومن المتوقع أن تصل واردات الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات قياسية خلال الأسابيع المقبلة، لا سيما مع استمرار الزيادة في الصادرات الأمريكية وتراجع المنافسة من المشترين الآخرين في بقية أنحاء العالم. كما شهد الأسبوع الماضي وحده تدفق 14.3 مليار قدم مكعبة من الغاز وسطياً بشكل يومي إلى محطات التصدير الأمريكية، بزيادة قدرها 18.4% على أساس سنوي. وفرضت جميع هذه المعطيات حالة من التساؤل في السوق حول إمكانية ملء مواقع التخزين التابعة للاتحاد الأوروبي بحلول شهر سبتمبر، والذي قد يدفع أسعار التسليم الفوري للغاز نحو مزيد من التراجع.

ومع ذلك، لم ينخفض حتى الآن بشكل ملحوظ سعر الغاز لشتاء 2023/2024، الذي يغطي الفترة بين أكتوبر المقبل ومارس من العام القادم، وما زالت قيمته تتراوح عند 55 يورو لكل ميغاواط ساعي، مما يشير إلى عدم ارتياح السوق كلياً بشأن السماح بتراجع الأسعار، لا سيما بسبب التوقعات بقدوم موسم شتاء طبيعي تتجاوز فيه معدلات الطلب نظيرتها في شتاء العام الماضي.

  • تراجع تداولات النحاس

تواصل شركات التعدين إصدار نتائج تقاريرها الفصلية، التي تسلط الضوء على استمرار شح العرض في سوق النحاس حول العالم برغم ارتفاع مستويات الاستهلاك، حيث تسهم مساعي التحول نحو الطاقة الخضراء في زيادة الطلب على المركبات الكهربائية وتوليد الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة ونقلها. وكشف تقرير شركة بي إتش بي عن ارتفاع بنسبة 12% في إنتاج النحاس خلال الأشهر التسعة التي يغطيها التقرير، مع الحفاظ على توجيهات الإنتاج الخاصة بالشركة طوال العام. ومن ناحيتها، خفّضت شركة ريو تينتو توقعاتها حول إنتاج النحاس بسبب بعض المشاكل الفنية المسجلة في اثنين من مناجمها، في حين كشفت كوديلكو، الشركة التشيلية الرائدة في إنتاج النحاس، عن وصول الإنتاج المسجل خلال الربع الأول إلى الحد الأدنى من توجيهات الإنتاج السنوية، وتوقعت بقاء الإنتاج ضمن هذه المستويات على مدار العام المقبل.

ومن المتوقع أن يواجه العرض على المدى الطويل صعوبةً في مواكبة وتيرة الطلب المرتفعة في ظل زيادة زخم مساعي التحول نحو الطاقة الخضراء، غير أن التوقعات قصيرة الأمد للنحاس تكشف عن استمرار التداولات محدودة النطاق، لا سيما أنّ العوامل الداعمة يقابلها التأثير العكسي لمخاوف الركود بعد أسبوع من البيانات الاقتصادية التي ظهرت أضعف من المتوقع. وتراجعت تداولات العقود الآجلة للنحاس عالي الجودة ونحاس بورصة لندن للمعادن نتيجة هذه التطورات، مع عودة النحاس عالي الجودة HGc1 إلى مركز نطاقه الحالي بين 3.8 و4.2 دولار للأونصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3esdrm8y

عن الكاتب

رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"