عادي

«اختبارات القبول».. باب تربّح سنوي للمدارس الخاصة

تفرضها برسوم لا تُسترد

01:51 صباحا
الصورة

تحقيق: محمد إبراهيم

مع بدء موسم تسجيل الطلبة في المدارس للعام الدراسي الجديد، نصطدم سنوياً ببدعة تسمى «اختبارات القبول» التي تستهدف الطلبة الجدد في مختلف مراحل التعليم، من الروضة وحتى الثاني عشر، إذ فرضتها بعض المدارس الخاصة بحجة تحديد مستوى الطلبة واختيار المتميزين، حتى لو كانوا في الروضة.

«الخليج» تناقش مع فئات الميدان أبعاد ظاهرة اختبارات القبول ورسومها التي تسودها الضبابية، في محاولة للتعرف إلى المسؤول عن إقرار تلك الاختبارات، ومعايير اعتمادها وأسباب إقرار رسوم لها.

لم تعتمد هذه الاختبارات يوماً من أي جهات الإشراف على التعليم الخاص، لكنها اجتهادات من إدارات المدارس لتحقيق المزيد من الأرباح، والأغرب أن المدارس تبحث عن المتميزين بين أبناء الروضة، ما يدفع لطرح العديد من الأسئلة، فمن أين يأتي أبناء الروضة بالتميز لم ينخرطوا في التعليم بعد؟ وهل اختبارات القبول إجراء مشروع أم وسيلة متجددة لتربّح بعض المدارس؟ ولماذا تأتي مجانية في مدارس وبرسوم متفاوتة في أخرى؟ وأين فرق الرقابة والتقييم من تلك الاختبارات؟

أكد عدد من أولياء الأمور ل«الخليج» أن اختبارات القبول تفرضها مدارس خاصة على الطلبة الجدد سنوياً، لاسيما التي تطبق المناهج الأجنبية، وتتراوح رسومها «غير المستردة» بين 800 - 1500 درهم للطالب الواحد، وأسئلتها تفوق قدرات الطلبة، لإجبار ولي الأمر على إعادة الاختبار لنجله وبرسوم جديدة، معتبرين إياها بوابة خلفية تستنزف الأهالي وتثقل كاهلهم، وترفع سقف معاناتهم بسبب ارتفاع كلفة تعليم أبنائهم.

فيما يرى عدد من التربويين أن إخضاع أطفال الروضة لاختبارات القبول أو تحديد المستوى، التي ترافقها رسوم، إجراء غير مقبول، إذ يرفضه العقل والمنطق، لاسيما وأن تلك الفئة لم تبدأ مسيرتها التعليمية بعد، مؤكدين ضرورة تدخل الجهات التي تشرف على التعليم الخاص لتحديد مشروعية هذه الاختبارات من عدمه، وتحديد رسومها في حال مشروعيتها.

وهناك خبراء أكدوا أن الاختبارات، بكل أنواعها، ينبغي أن تخضع لجهة رقابية للاعتماد والتدقيق والإقرار، لاسيما التي يتم من خلالها قبول الطالب في المدرسة، للتأكد من ماهيتها، فضلًا عن ضرورة توحيد رسومها إذا كان مسموحاً لها، وأهمية تشكيل فرق متخصصة لإزالة «ضبابية» الإجراءات في تلك الاختبارات.

ظاهرة متجددة

البداية كانت مع رصد «الخليج» لمدى فاعلية الظاهرة في مجتمع التعليم الخاص، إذ تواصلنا مع عدد من المدارس التي تطبق مناهج مختلفة، حيث وجدنا أن معظمها الزمت الطلبة الجدد بإجراء اختبارات القبول، أو تحديد مستوى، كما يسميه البعض، مقابل رسوم تحددها المدرسة، وقد تتراوح بين 800-1500 درهم للطالب الواحد، ويتقدم الطالب للاختبار في 3 مواد هي: الرياضيات والانجليزية والعربية، وفي المدارس الأجنبية «الرياضيات والانجليزية والعلوم».

رصدنا أيضاً وجود تلك الاختبارات في المدارس التي تطبق منهاج وزارة التربية والتعليم، بهدف اختيار الطلبة المتميزين في جميع مراحل التعليم، لكنها لم تتقاض عنها أية رسوم، ولم نجد موافقة واحدة من أية جهة تشرف على التعليم الخاص لإجراء تلك الامتحانات، لتصبح مجرد اجتهادات من إدارات المدارس، البعض يتربّح منها، والبعض الآخر يبحث عن التميز من خلال اختياره للطلبة المتميزين.

سيناريوهات متطابقة

تطابقت سيناريوهات أولياء الأمور مع ما رصدته «الخليج» في ميدان التعليم الخاص، إذ يروي ولي الأمر شريف مسعود، ولديه 4 أبناء يدرسون في «الروضة والأول والثالث والخامس»، حيث تقدم لإحدى المدارس الخاصة في دبي، لتسجيل أبنائه للعام الدراسي الجديد، لكن إدارة المدرسة فرضت على أبنائه اجتياز اختبار القبول «إجباري» وسداد مبلغ 1500 درهم رسوم الاختيار، بواقع 500 درهم لكل طالب، للتأكد من تميزه علمياً.

وأضاف أن مكونات الاختبار وعناصره جاءت ضبابية ولا تميل إلى أي مقرر دراسي، لتبلغه إدارة المدرسة بعدها برسوب 3 من أبنائه، ونجاح الرابع الذي سيدرس في الروضة الأولى، ما اضطره إلى إعادة الاختبار مرة أخرى وبرسوم جديدة، لكن من دون جدوى.

إجراء بلا قيمة

أجمع أولياء الأمور على أن اختبارات تحديد المستوى التي استحدثتها إدارات المدارس تعد إجراء غير مبرر، ولا قيمة لها، لاسيما للأطفال في مرحلة الرياض، الذين ليس لديهم دراية عن معنى الاختبار وكيفية التعامل معه، هذا ما أكده أولياء الأمور «محمد طه، وإيهاب زيادة، وعبد الله مرتضى، ومنى حمودة»، مضيفين أن الرسوم التي يتم جمعها لا تستند إلى تعميم صريح بمشروعيتها، من أي جهة معنية تشرف على المدارس الخاصة في مختلف إمارات الدولة، لاسيما التي تتبع المناهج الأجنبية، إذ إن مدارس منهاج وزارة التربية والتعليم لم تفرض أية رسوم على اختبارات تحديد المستوى التي يتقدم إليها الطلبة.

وشددوا على أهمية وجود فرق رقابية تجوب المدارس خلال موسم تسجيل الطلبة للعام الجديد، لضبط إيقاع ممارسات المدارس في ما يخص تلك الاختبارات، والتعرف إلى مكوناتها، ومدى أهميتها للطلبة، فضلًا عن رسومها التي تأتي متفاوتة بين مدرسة وأخرى، ما يؤكد أنها نابعة من اجتهادات المدارس، وليست لها علاقة بالمنظومة التعليمية ومساراتها وإجراءاتها، وإلا كانت موحدة على مستوى المدارس كافة.

لا استرداد للرسوم

في المقابل التقت «الخليج» عدداً من مديري المدارس التي فرضت اختبارات القبول على الطلبة الجدد، مقابل رسوم تتراوح بين 700 و1500 درهم للطالب الواحد، فأكد كل من «ه.م، ع.ح، ي.س، م.و، ق.ج» أهمية تلك الاختبارات التي تساعد الإدارات المدرسية في اختيار الطلبة المتميزين، نظراً لسمعة مدارسهم وشهرتها، وجودة مخرجاتها التي تعد رأس مالهم الحقيقي.

وحول الرسوم التي تفرضها تلك المدارس على الطلبة الجدد، أكدوا أنها نظير كلفة إعداد الاختبارات لطلبة جميع المراحل، وطباعتها، ولجان الامتحان التي تتطلب توفير عناصر بشرية، ودوام إضافي لبعض الكوادر التي تشرف عليها، فضلاً عن القاعات المجهزة لإجراء تلك الاختبارات، مؤكدين عدم أحقية ولي الأمر في استرداد الرسوم مهما كانت نتيجة الاختبار.

اختبار بلا اعتماد

وحول الأسئلة التعجيزية التي تأتي مكوناً أساسياً لتلك الاختبارات، ارجع مديرو المدارس الأمر إلى مستوى الطلبة المتدني، الأمر الذي يشكل صعوبة لدى الكثير من الطلبة عند مواجهة اختبارات تحديد المستوى، معتبرين إياه أمراً طبيعياً لأن المنهاج يختلف من مدرسة إلى أخرى.

ولم تقدم تلك الإدارات إفادة عن «اعتماد رسمي» لمحتوى تلك الاختبارات، أو الرسوم المستحقة عليها، معتبرين إياه شأناً يعني المدرسة وطلابها، ولا حاجة إلى موافقة من الجهات المعنية.

خطط علاجية

من جانبهم، أكد عدد من التربويين: سلمى عيد، وميثاء القاضي، ودكتور فارس الجبور، أن إداراتهم المدرسية تركز على قياس مستوى طلابها الجدد، من خلال اختبارات تلائم الطلبة في كل مرحلة دراسية، للتعرف إلى احتياجاتهم العلمية خلال الدراسة، فضلاً عن وضع الخطط العلاجية المناسبة لاحتياجات كل طالب.

ونفوا فرض رسوم على أولياء الأمور لهذا الاختبار، مؤكدين أنه إذا كانت هناك بعض المدارس تلجأ لهذه الوسيلة، فهو بكل تأكيد يخالف القانون، ولا يعبر عن نصوصه، والغرض منه حصاد المزيد من الأرباح، موضحين أنه في حال أخضعت تلك المدارس 500 طالب وطالبة لاختبارات مقابل 500 درهم للطالب الواحد، سوف تحصد 250 ألف درهم في أقل من ساعة.

وأكدوا أهمية وجود لجنة رقابية لمتابعة عملية التسجيل واختبارات تحديد المستوى التي تعدّها المدارس، للاطمئنان على وصول حق التعليم لجميع الطلبة الجدد، من دون الضغط على أولياء الأمور.

جهة رقابية

طرحنا القضية بمعطياتها على آمنة المازمي الخبيرة التربوية، التي ترى أن الاختبارات بمفهومها ومكوناتها وأنواعها، تحتاج دائما لهيئة، أو جهة رقابية، لفحص محتواها ومدى ملاءمتها لمستويات الطلبة العلمية، موضحة أن الرسوم التي يتم تحصيلها من أولياء الأمور نظير اختبارات القبول، أو تحديد المستوى، ما زالت في حالة ضبابية، وليس هناك نص صريح يمنح إدارات المدارس حق تحصيلها.

واقترحت تشكيل فرق رقابية، للاطلاع على محتوى تلك الاختبارات، واعتمادها كأداة لقياس مستوى الطلبة عند التسجيل الجديد في المدارس بمختلف مناهجها، فضلاً عن متابعة مدى أحقية المدارس في فرض رسوم على أولياء الأمور نظير أداء الطلبة الجدد لها، مؤكدة أن اعتماد الاختبارات ورسومها يعد إجراء إلزامياً ينبغي أن توافق عليها الجهات المعنية قبل وصولها للطلبة.

تحذير خاص بالرسوم

حذرت جهات معنية بالإشراف على التعليم الخاص في مختلف إمارات الدولة، من طلب رسوم إضافية تفوق الرسوم المعتمدة للتسجيل أو حجز المقعد التي تقدر ب500، يتم خصمها من الرسوم الدراسية، ودعت أولياء الأمور إلى تقديم شكاوى بحق المدارس التي تطالبهم بسداد رسوم إضافية مقابل اختبارات قياس المستوى، «اختبارات القبول» لاتخاذ اللازمة بحسب اللوائح.