عادي
جوشوا رينولدز الرسام الإنجليزي الأبرز في فن البورتريه

الطفولة تأسر القلوب في «عصر البراءة»

20:14 مساء
قراءة 4 دقائق
1

الشارقة: عثمان حسن

الإنجليزي السير جوشوا رينولدز (1723 - 1792) هو أحد أهم الرسامين الأوروبيين في القرن الثامن عشر، كما وصفه السياسي البريطاني جون راسل، تخصص في الصور الشخصية، وهو مؤسس وأول رئيس للأكاديمية الملكية للفنون، حصل على وسام فارس من قبل جورج الثالث عام 1769. هو ابن عائلة متعلمة، فوالده، صموئيل رينولدز رئيس مدرسة «بليمبتون» الحرة لقواعد اللغة، والذي كان زميلاً في كلية باليول بأكسفورد، أما شقيقته فهي ماري بالمر (1716-1794) التي تكبره بسبع سنوات، وهي مؤلفة أدبية، وقيل إن ولعها بالرسم كان له تأثير كبير في جوشوا عندما كان صبياً، ففي عام 1740 قدمت 60 جنيهاً إسترلينياً لرسام البورتريه توماس هيدسون لكي يعلم شقيقها أصول الفن، وبعد تسع سنوات دفعت المال لتغطية نفقاته في إيطاليا. ومن بين إخوته أيضاً الفنانة فرانسيس رينولدز وإليزابيث جونسون.

في عام 1749، التقى رينولدز العميد البحري أوغستوس كيبل، الذي دعاه للانضمام إلى سفينة كان يقودها، في رحلة إلى البحر الأبيض المتوسط. وأثناء وجوده في السفينة، زار رينولدز لشبونة، وكاديز، والجزائر، ومينوركا، كما سافر من مينوركا إلى ليفورنو في إيطاليا، ثم وصل إلى روما، حيث أمضى عامين، وهناك تلقى دراسات متقدمة عن الرسامين الكبار، وفي إيطاليا التقى رينولدز صديق الطفولة اللورد إيدجكومب (1720 - 1795) وهذا الأخير اقترح عليه أن يدرس الفن بصحبة بومبيو باتوني، وهو الرسام البارز في روما في حينه، لكن رينولدز الذي كان قد تلقى دروساً متقدمة في الفن رد بقوله: «ليس لديه ما أتعلمه منه».

رينولدز هو صاحب البورتريهات الشخصية التي تعتبر من كنوز الفن البريطاني، ومنها لوحته الأيقونة (عصر البراءة)، وعندما كان صبياً، تأثر بالفلسفة الأفلاطونية، وقد جمع في كتاب له مقتطفات من أقوال العديد من الكتاب والأدباء والفلاسفة بينهم: بلوتارخ وسينيكا، وويليام شكسبير، وجون ميلتون، وألكسندر بوب، وجون درايدن، وجوزيف أديسون، وريتشارد ستيل، وأوفيد، وغيرهم، وقد كان العمل الذي كان له أكبر تأثير في رينولدز هو مقال حول نظرية الرسم (1715) للفنان وجامع الرسومات الإنجليزي جوناثان ريتشاردسون (1667 - 1745).

كان السير جوشوا رينولدز الرسام الأكثر أناقة في عصره، جعلته موهبته وطموحه أول رسام إنجليزي في مكانة أوروبية كبيرة، وهو إنجاز مثير للإعجاب بشكل خاص بالنظر إلى فن البورتريه، وهو المجال الذي اختاره، ولقد أعطى موقعه في قلب الحياة الفكرية البريطانية الرسم حضوراً جديداً، كما غير طريقة صنع الفن وتقديره في بريطانيا.

شغف

عُرضت هذه اللوحة في المعرض الوطني بلندن عام 1847، وتم نقلها بعد ذلك إلى متحف «تيت» في عام 1951، وظلت بالنسبة لنخبة الفن في عصره من بين أشهر أعمال رينولدز لسنوات عديدة. وفي القرن التاسع عشر، استمرت كواحدة من التحف الفنية الأثيرة، وحظيت بإعجاب كبير، كما تم نسخها بشكل متكرر، وقد كشفت سجلات المعرض الوطني أنه بين اقتنائها من قبل المعرض ونهاية القرن، تم صنع ما لا يقل عن 323 نسخة كاملة الحجم من اللوحة.

و«عصر البراءة» هي أكثر أعمال رينولدز شهرة وتوزيعاً، وقد تم توثيق العديد من النسخ المقلدة من هذه اللوحة، وكانت أعمال رينولدز الفنية للأطفال الإنجليز تستقبل بترحاب إيجابي يجمع بين الفرح والافتتان، وكانت من دون شك تأسر قلوب المشاهدين، وتصوير رينولدز للطفولة في هذا البورتريه يحمل معنى عميقاً، الفن هنا، واسطة لتحريك عواطف الفرد.

هنا، نشاهد الطبيعة والطفولة في آن معاً، الطبيعة كما خلقها الله، والطفولة بما تحمل من براءة وطُهر، الطفولة هي استعارة للطبيعة التي لم تتلوث، كما في خلفية الصورة، حيث تقع عين المشاهد على منظر طبيعي ساحر، إذ يجمع رينولدز بين جمال الإنسان وجمال المنظر الطبيعي الخلاب، في سعي منه لجذب انتباه الجمهور، وهو ما نجح فيه إلى حد كبير.

يسعى تكوين الصورة جنباً إلى جنب مع المنهج الفني الذي يتبعه رينولدز، إلى إبراز الجمال في الطفولة والطبيعة على نحو شعري، هو إبداع في المنظر، حيث ملامح الرقة والبراءة، واللوحة بهذا المعنى، تدعو للتأمل والنظر، وتحرك عواطف الوجدان بحالة شعورية لا يمكن وصفها.

دراسة الشخصية

لم تكن اللوحة مجرد رسم لصورة شخصية فقط، بل كانت دراسة في الشخصية، كما يحبذ البعض أن يطلق عليها «صورة خيالية»، لما فيها من حس إبداعي مبتكر، في القرن الثامن عشر. أما عنوان اللوحة «عصر البراءة» فهو ليس من اختراع رينولدز، بل هو نتيجة مقارنات كثيرة أجراها النقاد في أعمال لرينولدز معروضة في الأكاديمية الملكية عام 1785، وبينها بحسب صحيفة «مورنينج هيرالد» «فتاة صغيرة»، تستلقي على لوح عشبي، وتداعب طائراً.

وقد كشف فحص أخير للوحة «عصر البراءة» من قبل قسم الحفظ في متحف «تيت» أن الرسم يطابق لوحة أخرى لرينولدز بعنوان «فتاة الفراولة» وهي منسوخة مرات عديدة، ومنها واحدة محفوظة ضمن مجموعة والاس في لندن.

وتشير سجلات أجريت في عام 1859، إلى أن اللوحة، كانت تعاني التشقق والتقشر في أجزاء واسعة منها.

مذكرات

في «مذكرات السير جوشوا رينولدز» للمؤلف جوزيف فارينجتون أضاء فارينجتون على حياة رينولدز ومسيرته المهنية، واعتبره رساماً من الجيل القادم وأفضل كاتب يوميات في عصره، وقدم فارينجتون، الذي كان يعرف رينولدز، تقييماً ذكياً وفريداً عن أهميته بالنسبة للفن البريطاني.

واستعرض الكتاب جانباً من اهتمامات رينولدز الفكرية والفنية، وأشار إلى يومياته المألوفة من أعمال فلاسفة وكتاب وشعراء كبار، كما أشار

إلى مقاطع مما دوَّنه رينولدز حول نظرية الفن عند ليوناردو دافنشي، كما نوه بالعمل الذي كان له التأثير الأكبر في رينولدز وهو مقال جوناثان ريتشاردسون عن نظرية الرسم (1715).

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddx99ka

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"