طلائع العصر الصيني

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

يستعد الرئيس الصيني شي جين بينغ لاستضافة قمة تجمعه بقادة دول آسيا الوسطى، كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، وهي دول تحتل مكانة جوهرية في مشروع «الحزام والطريق»، وستكون معبر سكة الحديد بين الصين والاتحاد الأوروبي، الذي يميل إلى ترتيب أولوياته، وعدم الممانعة في الانخراط في المشروع، على الرغم من العراقيل التي يحاول الجانب الأمريكي وضعها، دون جدوى.

 معالجة تردد بعض الدول الأوروبية أوكلها الرئيس شي إلى وزير خارجيته تشين غانغ ضمن جولته إلى ألمانيا وفرنسا والنرويج. وهناك رابط مباشر بين القمة والجولة، فالأولى، غير مسبوقة، وستشهد توقيع «وثائق سياسية مهمة»، ستمهد لأكبر تحرك صيني في دول سوفييتية سابقة، لا يخرج عن خطة بكين في ترسيخ قوتها ودورها ضمن العالم المتعدد الأقطاب الذي تدافع عنه. أما الجولة الأوروبية لغانغ، فتأتي تأكيداً لفاعلية الدبلوماسية الصينية المتنامية عبر ملفات وقضايا عدة، كما تسعى إلى فرض نفسها على الآخرين ممن يرفضون التعامل معها أو يتوجسون منها، وخصوصاً في دول الاتحاد الأوروبي المنقسمة بين متخوف من الذوبان وسط القوة الصينية، ومن لم يتحرر بعد من التبعية للولايات المتحدة الخصم اللدود للصين حاضراً ومستقبلاً.

 من عادة الدبلوماسية الصينية ألا تكشف أوراقها في العلن، إلا أن طبيعة هذه المرحلة واستحقاقاتها تتطلب لغة جريئة وهجومية في بعض الأحيان حتى تكون الخطوط واضحة. ففي برلين، وأمام نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، قال غانغ: إن بكين تدعم مسار التنمية الذي اختارته الشعوب الأوروبية، وتدعم أوروبا، لتحقيق استقلال استراتيجي حتى لا تكون تابعة لأي طرف بما فيه الولايات المتحدة المهيمنة على القرار الأوروبي. لكن ما يتمناه الوزير الصيني في أوروبا لن يدركه على الفور، إلا أنه بداية طريق لا رجعة فيه، يمضي إلى عالم مختلف عن السائد. الأوروبيون أنفسهم ما زالوا مختلفين حول معايير المكانة التي يطمحون إليها، فبينما يدفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جعل الاتحاد الأوروبي قوة عظمى ثالثة بين الولايات المتحدة والصين، ويملك أكبر قدر من الاستقلال الاستراتيجي، يقف المستشار الألماني أولاف شولتس على النقيض، ويأمل أن يرى أوروبا في مكان «ليس فوق ولا تحت» دول أخرى. وبعيداً عن هذين الموقفين هناك اليمين المتطرف الذي يتربص بكل التوجهات السياسية، وله وجهة نظر مختلفة ما زالت تنتظر نتائج الحرب الروسية في أوكرانيا.

 الصعود الصيني المتسارع، الذي يعده الأمريكيون التحدي الأكبر، حرّك كثيراً من الطموحات والمشاعر والخطط. ومنذ أكثر من عامين باتت بكين وموسكو من أكثر الدعاة إلى عالم متعدد الأقطاب، على الرغم من أن المفهوم لم يتبلور بمعانيه ودلالاته، بينما الواقع الأقرب يشير إلى أن القطبية المنتظرة ستتعلق بفضاءات محورها دول عدة منسجمة المصالح. وبينما هناك كيانات مهددة بالتفكك مثل الاتحاد الأوروبي، تعمل الصين على بناء فضاء ضمن مجموعة من التكتلات كمنظمتي «شنغهاي» و«بريكس» والاتحاد الأوراسي، الذي يضم دولاً عظمى أخرى معروفة. وكلها تجمعات تلعب فيها بكين دوراً محورياً حتى يتشكل حينها العصر الصيني الذي يبدو حتمياً ولا مهرب منه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mzyk6vy

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"