حرب مغلقة وطويلة

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

تحاول القارة الإفريقية أن تلعب دور الوسيط، لإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بعدما أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا عن مبادرة سداسية، صاغتها بلاده وزامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو وأوغندا ومصر، ولقيت قبولاً لدى القيادتين الروسية والأوكرانية، من دون تحديد لموعد التحرك الميداني، أو تأكيد لمدى تطابقها أو اختلافها مع المبادرة الصينية المعلنة منذ أشهر، ولم تسفر عن نتيجة حتى الآن.

ربما تدخل المبادرة الإفريقية في سياق النوايا الحسنة، وتنطلق من رغبة دول القارة في إنهاء هذا الصراع، بسبب تضرر المصالح الإفريقية من طول الأزمة، وتأثيراتها في أسواق الطاقة والغذاء، لكن من الناحية العملية ربما لا يكون لهذا التحرك، حظ كبير في النجاح، ليس لعجز الدبلوماسية الإفريقية عن تقديم اقتراحات وحلول للتحديات التي تواجه النظام الدولي، وإنما لطبيعة الأزمة الروسية الأوكرانية التي ما زالت بعيدة عن الحل السياسي. وعلى الرغم من طولها النسبي وامتدادها لخمسة عشر شهراً، فإنها تبدو وكأنها ما زالت في البداية، وفي أحسن الأحوال بلغت منتصف الطريق، بالنظر إلى أن استحقاقاتها الاستراتيجية أوسع من حدود الميدان الذي تدور فيه الأعمال العسكرية. والبطء في الإنجاز الميداني الذي أصاب العالم أجمع بالملل، بات خطة معتمدة، ربما بسبب خشية طرفي الصراع، روسيا والتحالف الغربي الداعم لكييف من تحقيق نصر صريح لهذا الطرف أو ذاك، فموسكو تعد هزيمتها خطاً أحمر لا يمكن التفكير فيه أو حتى توقعه، والغرب لا يريد أن يخسر مرتين، فقدان أوكرانيا وضياع مصداقيته أمام شعوبه، وتضعضع هيبته عالمياً. أما المبادرة الصينية فتحوم حولها الكثير من نقاط الاستفهام، فهي لا تبدو حاسمة لتحقيق السلام، ولها محركات سياسية واقتصادية وأمنية تراعي مصالح بكين بالدرجة الأولى. وبما أن الصراع الدائر في أوكرانيا عالمي الأبعاد، فإن الصين معنية أيضاً بنتائجه، وليست على الهامش أبداً.

ما يجري في أوكرانيا من نزاع استقطب كل القوى الكبرى، يعد حرباً مغلقة قد تمتد سنوات طويلة، ومن الصعب أن تنتهي بالمفاوضات، لأن الطرفين، الروسي والغربي، يراهن كل منهما على الانتصار، وتحقيق أهدافه الأبعد من السيطرة على مدينة أو ضم إقليم، ومثل هذه الحرب لا تحسب مكاسبها بالمساحات الجغرافية؛ بل بالأهداف الاستراتيجية البعيدة المتعلقة بتغيير النظام الدولي، وهذا الرهان خطر للغاية، والفشل في تحقيقه قد يُخرج الصراع من حدوده الحالية إلى صدام واسع، تكون فيه الخسائر والأضرار مباشرة لدى جميع الأطراف.

في ظل هذه المعادلات والأهداف عالية السقف، يصعب للمبادرات السياسية أن تجد طريقها إلى الميدان إلا إذا سلم أحد الطرفين بالهزيمة، وهذا لم يحدث. وبعد هذه الفترة الطويلة من الحرب، لا يظهر أن روسيا تنهار وتنهزم، ولا يبدو أن الغرب عازم على الاستسلام على الرغم من الأعباء الباهظة للمساعدات العسكرية والمالية المقدمة إلى كييف. وإذا كان من ضرورة لتحديد خاسر ورابح، فإن الاتحاد الأوروبي بات أكثر تضرراً من تبعات هذه الحرب، وضعف هذا التكتل يصب في مصلحة القوى الكبرى، الصين والولايات المتحدة وروسيا. وفي ضوء ذلك من المستبعد أن تنتهي الأزمة قريباً، لأن معركة كسر العظم الحقيقية لم تبدأ بعد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3msmt8

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"