حرب بلا نهاية..!

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

في أواخر القرن العشرين، كان للمؤسسة العسكرية الأمريكية عقيدة تحمل اسم «استراتيجية الخروج»، وأكثر شخصية بارزة من الذين طرحوا تفسيراً لها كان كولين باول وزير الدفاع الأسبق، وتعني أنه عندما يتقرر الدخول في حرب، فلا بد أن يقترن ذلك باستراتيجية للخروج منها، حتى من قبل أن تظهر مفاجآت أو شواهد لتوقع حدوث مخاطر على الدولة صاحبة قرار الحرب.

لكن الظاهر مثلما يقول الخبراء في واشنطن، إن ما يقلق الإدارة الأمريكية حالياً هو توقف الحرب، دون أن تكون قد حققت أهدافاً رئيسية لخوضها، ومنها هدف أن تكون روسيا ضعيفة، وهي مقولة نسبت لوزير الدفاع الحالي لويد أوستن، وأيضاً هدف هيمنتها الأحادية على النظام الدولي.

وهو تفكير شرحه جوناثا جوير الخبير الأمريكي في شؤون الأمن القومي والسياسات الخارجية، بقوله كان من السهل على الولايات المتحدة، أن تساند أوكرانيا في الحرب هناك، لكن لم يعد من اليسير بالنسبة لها الخروج من تلك الحرب.

بل إن المؤرخ مايكل كيماج المعروف بأبحاثه عن التفكير الاستراتيجي لكل من جو بايدن وفلاديمير بوتين، يقول إن هذه الحرب قد تستمر لأجيال، وسوف تكون هي أم الحروب.

هذا الوضع المراوغ بين الدخول في حرب، والخروج منها، دفع كثيرين من المحللين للاستشهاد بما سبق أن صرح به الجنرال بيتر بيترويس القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق، بكلماته: «قولوا لي كيف ستنتهى هذه الحرب؟».

وراحوا يقارنون بين ما صرح به عام 2003، وما ذكره مؤخراً عن حرب أوكرانيا، وذلك من موقعه الجديد كخبير في معهد دراسات الحرب، بالقول: أعتقد بأن السؤال الأهم الذي يشغل الجميع الآن هو: ما العمل إزاء حرب قد تكون بلا نهاية.

وتعبير حرب بلا نهاية صار يتردد بكثرة في المحافل السياسية، مقترناً بالسؤال: وهل سيقتصر تأثير الحرب على أطرافها، أم أن آثارها ستمتد إلى من لم يشاركوا فيها؟

ثم يضيف من طرحوا السؤال توقعهم بتلك العبارات: إن حرباً بلا نهاية في أوكرانيا سيلحق الضرر بالأمن العالمي، وستكون أسوأ نتائجها اشتعال حرب بين أمريكا وروسيا.

ويتعرض الخبير الأوروبي جوش روجيه كلاين للذين يتوقعون أن تنتهى الحرب لصالح أوكرانيا ويقول «إن الإدارة الأمريكية مخطئة لو تصورت أن الوقت سيكون في صالح أوكرانيا»، ويضيف: «كيف يمكن لدول التحالف الغربي، أن تستمر في تحمل ضغوط شعوبها التي تدفع كلفة الحرب، من تدهور أوضاعها المعيشية؟».

ويلفت النظر في هذا السياق تلك المناقشات التي جرت في معهد «كاتو» الأمريكي للبحوث السياسية، من أن كثيرين في واشنطن يعتقدون بأن كسب أوكرانيا للحرب، سوف يخدم المصالح الأمريكية، لكن السعي نحو هدف كسبها شيئاً آخر. وإن كثيرين في الغرب يسيطر عليهم كابوس صنعته المخاوف من حرب عالمية ثالثة. وأن ذلك هو ما يدفع الكثيرين في أمريكا وأوربا لطلب السلام.

نفس المقولات علق عليها هاجنر هيدجيز الرئيس السابق لمكتب صحيفة «نيويورك تايمز» في الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب «رحلة الوداع»، بقوله إن مشاعر القلق لدى كثيرين يصاحبها خوف من اشتعال حرب كبرى نتيجة خطأ في التقدير، أو حادث عدائي من طرف يستفز به الطرف الآخر.

وإن من تنتابهم المخاوف أشاروا- كمثال على ذلك- إلى واقعة استهداف الرئيس بوتين بطائرة مسيرة. وهو الحادث الذي تحول إلى قضية رئيسية شغلت وسائل الإعلام الأمريكية، وإن كانت في تغطيتها للحادث قد اتخذت نفس موقف الإدارة الأمريكية التي شككت فيه. ومع ذلك، فإن الحادث يظل في نظر العديد من المحللين يصنف على إنه من نوعية الخطأ الذي يمكن أن يشعل حرباً.

الوضع الحالي في نظر الذين ليسوا من أنصار فكرة حرب بلا نهاية، فهم يرون أن هناك «باب موارب»، يمكن الدخول منه لإيجاد نهاية للحرب، بالجلوس على مائدة المفاوضات، ثم ليعرض كل جانب رؤيته ومطالبه.

وإذا كانت عقيدة الخروج الاستراتيجي، قد اتُخذت مبدأ للولايات المتحدة في وقت سابق، فإن السؤال الذي يتردد الآن عن دواعي التخلي عنها، يتمحور حول ما يمكن أن يحدث من مخاطر وأضرار.

عادة كانت الحرب تقوم للوصول في النهاية إلى أهداف سياسية، فهل تغير الوضع إلى أن تكون الحرب في حد ذاتها هي الهدف؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mta5uam6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"