دبي: زكية كردي
يتجاهل معظمنا أثناء قيادة السيارة على الطرقات، أو السير على القدمين، اللوحات الإعلانية المنتشرة، إلا أن بعض اللوحات تفرض حضورها، وقوة الفكرة التي تحملها إلى الشارع، وهناك العديد من القصص الملهمة والمؤثرة لهذه اللوحات، خصوصاً عندما تحمل رسالة عامة تتبنى قضية ما.
وغدت اللوحات الإعلانية تفاعلية مبتكرة، بل إن بعضها يجعل التبرعات أسهل وأكثر جاذبية من خلال قبولها بطاقات الائتمان. وخير مثال على ذلك حملة «Social Swipe» التي أطلقتها منظمة الإغاثة «MISEREOR» وخلقت منها تجربة تفاعلية فريدة؛ إذ تُمرّر بطاقة الائتمان في وسط لوحة الإعلانات للتبرع بمبلغ 2 يورو إلى المنظمة، وعند تمرير البطاقة في لوحة الإعلان التي تدعو إلى إطعام الفقراء وتحمل صورة لخبز، فإنها تقطع فوراً شريحة من ذلك الخبز، في إشارة إلى أن هذا التبرع سيذهب لتقديم وجبة طعام لأسرة في بيرو.
أورسولا بيغانسكا، رئيسة قسم التسويق في ليغو الشرق الأوسط وإفريقيا، تقول عن تجربتها العملية من خلال اللوحة الإعلانية التي أقامتها المؤسسة في شارع الشيخ زايد بدبي: «أعتقد أن اللوحة لفتت الأنظار، لأن الناظرين رأوا فيها عملاً نابضاً بالحياة، جاءت فيه مكعبات «ليغو» بألوانها التقليدية التي بدت مذهلة في مشهدها المسطح الممتدّ على أحد الجسور العابرة فوق الشارع. يمثل كل لون من ألوان تلك المكعبات حساً عاطفياً، أو جانباً من جوانب الطبيعة البشرية المتباينة التي لا بدّ لنا من احتضانها؛ فالأحمر يرمز للحب، والأزرق يجسّد التواصل، والأخضر يعكس جمال الطبيعة، أما الأصفر فهو لون البهجة والفرح. ولعلّ هذه الألوان تكون مألوفة لأي شخص سبق له أن لعب بالمكعبات الشهيرة، لكن الرسالة المراد إيصالها من هذا العمل وهذه الألوان، أعمق من ذلك». وأوضحت أن تركيب هذا الإعلان الخارجي كان جزءاً من حملة ترويجية أطلقت تحت عنوان «بناء الجسور»، ألقت الضوء فيها على تقاليد شهر رمضان من خلال عيون الأطفال. ونظراً لأن الصراعات والانقسامات باتت تُنهك العالم وتُضعفه، ارتأت العلامة اللعب الشهيرة أن تشجّع الكبار على إعادة التواصل مع أطفالهم ذوي العقليات الأكثر براءة وانفتاحاً، لتعزيز قيمة التسامح لديهم.
تمثلت الفكرة من وراء هذا الإعلان في أن على البالغين أن يشيّدوا جسور التواصل والمودّة مثلما يفعل الأطفال؛ بانفتاح ومرح واستعداد للتسامح، وهنا تأتي المكعبات نفسها على سبيل «الاستعارة» لتشكيل السبل التي نعيد فيها بناء علاقاتنا وتقويتها بطريقة تبدو أبسط، وتذكّرنا بضرورة ألّا نحمّل الأمور أكثر مما تحتمل.
وأصبح هذا العمل المبتكر رمزاً للعب والتواصل، فضلاً عن كونه دليلاً واضحاً ومتجدداً على طريقة تأثير التصميم في السلوك.
تشابه
لفتت بيغانسكا إلى أوجه التشابه بين هذا العمل ولوحة الموزاييك المجسمة «Favela Mosaico» الشهيرة في مدينة ريو دي جانيرو، بالبرازيل، وهي فسيفساء خلابة صنعها السكان في حيهم، بعد أن اجتمعوا لإحياء ذكرى عمل فني سابق كان أبدعه الفنانان الهولنديان هاس وهان، وتعرض للتحلّل الجزئي، فأعادوا الحياة إليه بأن استبدلوا بالطلاء الباهت أحجاراً ملوّنة. وقام خبراء الفسيفساء بوضع الحجارة قطعة قطعة، في عمل أقرب ما يكون إلى بناء جسر للتوسّع والتواصل.
رسائل إيجابية
بالمنطق نفسه تذكر لوحة الإعلانات الملهمة للفنان والمصمم ماثيو هوفمان، «You Are Beautiful»، التي أقامها في شيكاغو، لتبعث برسائل إيجابية لمشاهديها، إذ تقدّم تصوراً فلسفياً لكل ما يشكل جمالاً أساسياً في حياتنا، وفي المشهد الجمعي الإنساني ككل. على أن ما يجعل هذا العمل فريداً من نوعه هو الإشادة العالمية الواسعة باللوحة التي حوّلها هوفمان إلى ملصقات متداولة في جميع أنحاء العالم.
وتقول: «إذا ما نظرنا إلى ساحة تايمز سكوير في نيويورك، نجدها واحدة من المعالم المذهلة التي كشفت خلال أزمة جائحة كورونا عن مشروع فنّي ضخم، فقد قدّم مالكو اللوحات الإعلانية في الساحة ذات الشهرة العالمية الواسعة، مساحات إعلانية مجانية لبثّ «رسائل شكر» للعاملين في الخطوط الأمامية إبّان الجائحة، وأظهرت إحدى اللوحات الإعلانية صورة لعاملين في مجال الرعاية الصحية بأجنحة ملائكية، وهم يرتدون الكمامات، فيما تعلوهم عبارة «نيويورك تحبكم».
وتؤكد بيغانسكا أن أعمالاً فنية تصميمية كتلك الأعمال يمكن أن تساهم في إحداث التغيير من خلال الاستفادة من إبداعنا الفطري، وتتحدانا للتفكير في بعض المسائل التي نراها حتمية في حياتنا. وبينما نواصل الخوض في تعقيدات الحياة الحديثة، ربما يسعنا أن نتعلم درساً مهماً من لوحة الجسر الإعلانية، أن نسعى لنكون أكثر مرحاً وأكثر استعداداً للتسامح وأوثق صلة بالآخرين من حولنا. مضيفة أنها رسالة تتجاوز اختلاف اللغات وتبايُن الثقافات، رسالة يمكننا جميعاً أن نفهمها وندرك فحواها.
