عادي
وينسلو هومر أحد رواد الواقعية الأمريكية

الضوء ينطق في لوحة «أوراق البرسيم»

15:43 مساء
قراءة 4 دقائق
وينسلو هومر - أوراق النسيم

الشارقة - عثمان حسن

الأمريكي وينسلو هومر، (1836- 1910) ولد في بوسطن، ماساتشوستس، اشتهر برسم المناظر الطبيعية، و يعد من أبرز الفنانين في أمريكا بالقرن التاسع عشر، أنتج في بداياته عدة لوحات بالألوان المائية، وكانت أعماله سلسلة ابتكر من خلالها أسلوباً خاصاً به قريباً من المدرسة الانطباعية. كانت والدة هومر من هواة الرسم المائي، وأول معلمة له، رافقته طوال حياتها، واكتسب منها الكثير من السمات كطبيعتها الهادئة، وقوة إرادتها وإحساسها بروح الدعابة.

تخرج هومر في المدرسة الثانوية، وفي التاسعة عشرة من عمره خضع لفترة تدريبية في الرسم عند الفنان والمصمم جيه إتش بوفورد في بوسطن، بحلول عام 1857، شعر بالاستقرار المالي وبدأ في إنتاج رسومات في مرسمه الخاص في بوسطن.

قدم نماذج توضيحية مهمة من بيئة بوسطن، وريف نيو إنجلاند، وتميزت أعماله المبكرة بمشاهد اجتماعية من البيئات الريفية والحضرية وتميزت بشفافيتها والتباين الدراماتيكي المبسط بين الضوء والظلام.

سافر هومر إلى باريس في عام 1867 ومكث لمدة عام، وهناك أنتج عدة لوحات استرعت انتباه نقاد الفن بينها لوحته الشهيرة (سجناء من الجبهة) وعرضت في المعرض العالمي في باريس، قدم خلالها عدة مناظر طبيعية تصور مشاهد من الحياة الباريسية، وفي باريس لم يتأثر بالموضة الفنية الجديدة التي كانت شائعة في العاصمة الفرنسية، وركز موضوعه الرئيسي على حياة الفلاحين، وأظهر المزيد من التوافق مع الانطباعيين الأوائل، وخاصة مدرسة «باربيزون»، ومؤسسها الرسام جان فرانسوا مييه (1814 – 1875) وهي المدرسة التي كانت جزءاً من المدرسة الواقعية في الفن، ونشطت بين الأعوام 1830 و 1870.

وقد برزت في أعماله تأثيرات هذه المدرسة من حيث قوة الضوء في المنظر الطبيعي، وكانت لهومر خصوصية ميزته عن غيره، لا سيما وأن موهبته قد برزت في أمريكا، فكانت له بصمة خاصة في هذا المجال كما كتب زميله الفنان يوجين بنسون.

*على خط النار

في عام 1859، افتتح استوديو في مدينة نيويورك، عاصمة الفن والنشر للولايات المتحدة. حتى عام 1863، حضر دروساً في الأكاديمية الوطنية للتصميم، ودرس لفترة وجيزة مع فريديريك رونديل، الذي علمه أساسيات الرسم. في غضون عام تقريباً من التدريب الذاتي، أنتج الفنان ألواناً مائية ممتازة. حاولت والدته جمع أموال من العائلة لإرساله إلى أوروبا لمزيد من الدراسة، ولكن عوضاً عن ذلك أرسلته مجلة هاربر الأسبوعية إلى الخطوط الأمامية للحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، حيث رسم مشاهد المعركة، وحياة أحد المعسكرات التي يديرها قائد شهير هو اللواء جورج بي ماكليلان، على ضفاف نهر بوتوماك في أكتوبر 1861، فأبدع في تصوير لحظات الصمت والفوضى في المعسكرات.

* نشاط

كانت الفترة النشطة في حياة هومر قد انطلقت في 1870 حيث أنجز العديد من المشاهد الريفية التي تصور بأسلوب شاعري حياة المزارعين في الأرياف، فأبدع في الرسم بالألوان المائية بشكل منتظم، خاصة خلال إقامته الصيفية في غلوستر، ماساتشوستس، والتي استمرت لعدة سنوات، وكان أسلوبه طبيعياً وسلساً وواثقاً من خصوصيته ما يدل على موهبته الفطرية، ومن لوحاته الشهيرة في هذه الفترة لوحة (الأوراق الأربع للبرسيم). والتي تعتبر قطعة ساحرة أكملها الرسام الأمريكي وينسلو هومر في عام 1873. وهي موجودة اليوم ضمن المجموعة الدائمة لمعهد ديترويت للفنون بالولايات المتحدة الأمريكية.

وقد أثبتت ألوانه المائية بحسب كثير من النقاد شعبية هائلة، وقد بيعت على نطاق واسع، خاصة لوحاته البحرية بينها «سبورة» 1877، وفي ذات العام عرض لأول مرة في نادي بوسطن للفنون لوحة زيتية بعنوان «شمس ما بعد الظهيرة» و«مركب عند غروب الشمس»، كما عرض «بزوغ النسيم» 1876 التي استرعت الناقد الفني هنري جيمس، فكتب: «لقد اختار هومر نطاقا تصويريا مكثفا في مناظره الطبيعية والحضرية، وكأنها مناظر واقعية وحية، تميزت بالجرأة والنجاح»، أما في مطلع عام 1882، فعرض أكثر أعماله غرابة وهي بعنوان «الصيد مع الكلب».

لم يكن هومر قد قضى الكثير من وقته في هذا النوع من اللوحات البحرية إلا بعد حوالي عقد من الزمن، فكان يسافر حول منطقة البحر الكاريبي خاصة في فصل الشتاء، بينما يواظب على إنجاز الأعمال في الاستوديو الخاص به في ولاية مين بالولايات المتحدة الأمريكية.

* اللوحة

يحيل عنوان اللوحة الذي يشير إلى عدد أوراق البرسيم الأربعة، إلى الأسطورة التي تقول إن من يجد واحدة من هذه الأوراق سيرافقه الحب والإيمان والأمل والحظ، وهي المعاني التي ترمز لها أوراق البرسيم الأربع، ويبدو أن هومر قد حاول توظيف هذه المعاني في هذه اللوحة التي تضم تكوينا يبرز فتاة صغيرة تجلس في الخارج في حديقة خاصة، بينما تتطلع نحو نافذة مفتوحة. تمسك بيدها ورقة برسيم من أربع أوراق، ومن هنا جاء عنوان هذه اللوحة، ويبدو أنها تنتظر بصبر صديقاً للانضمام إليها. يدمج هومر بعض التفاصيل المذهلة في هذا النموذج، مع عدد لا يحصى من النباتات التي تتسلق الجدار بجانبها. معظمها وزع بلمسات بسيطة من الطلاء، المشهد في هذا النموذج التصويري يشي بمتعة حقيقية، الفتاة نفسها ترتدي زيا أنيقا، يوحي بأنها من عائلة مرتاحة ماديا، حيث ترتدي قبعة كريمية اللون مطرزة باللون الأسود. فستانها طويل وأبيض، مع بعض الظلال الخفيفة من جهة اليد اليمنى. كما أنها ترتدي بعض الجوارب البرتقالية الزاهية التي تتناسب مع درجات الألوان الأكثر إشراقا في بعض الأزهار.

ولتأثيث هذا المنظر التصويري، يهتم هومر بأعمال البناء بالطوب على الحائط، التي تبدو مكتملة بطريقة مريحة، فينتج هومر قطعة معبرة من شأنها أن تذكرنا ببعض أعمال الانطباعيين الفرنسيين في تلك الفترة.

اللوحة موجودة في متحف معهد ديترويت، وهي تعرض طوال الوقت بسبب ما تشتمل عليه من جمال أخاذ، وأيضاً لأنها ترتبط باسم فنان أمريكي فذ، رغم أنه اكتسب شهرته من المناظر البحرية على خلاف هذه اللوحة التي تصور منظراً ريفياً واقعياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/59tp4nrr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"