د. خليل حسين
ليس بالأمر الجديد أن تتعقد انتخابات الرئاسة في لبنان، فهي ظاهرة تتجدد بصور وأشكال متماثلة ومتشابهة، في الأسباب والخلفيات، إنما تكتسي هذه المرة أبعاداً وخلفيات وتداعيات مختلفة، محلية وإقليمية ودولية، نظراً لما ستتركه من آثار حاسمة في مستقبل لبنان بخاصة، والمنطقة بعامة، وعليه تبدو الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، يوم غد الأربعاء، ذات دلالات مختلفة لجهة محاولة تدوير الزوايا وإعادة إنتاج وقائع جديدة، بصرف النظر عن حظوظ النجاح أو الفشل.
فالحراك القائم حالياً انطلق من خلفيات وغايات غير متجانسة، وبالتالي فإن طبيعة هذا الحراك يمثل إحراجاً قوياً لجميع الأطراف اللبنانية، باعتبارها فرصة أخيرة لتكوين بيئة حل، أو الذهاب نحو نتائج خطرة متصلة بتحلل النظام السياسي في لبنان، وما سيتركه من تداعيات على مستوى وجودي متصل بالكيان اللبناني المعروف حالياً.
من أبرز متغيرات الحراك الحالي، هو التوجه الفرنسي الجديد المتمثل في إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تكليف وزير الخارجية الفرنسية السابق، جان ايف لودريان، كموفد خاص إلى لبنان لمتابعة ملف الرئاسة اللبنانية، ومحاولة إيجاد توافق فعّال حول الملف الرئاسي، في حين اعتبر فريق من اللبنانيين أن ثمة تحوّلاً رئيسياً في السلوك السياسي الفرنسي مغايراً لما أسند إلى سلفه الوزير السابق، بيار دوكان، الأمر الذي اعتبره البعض تحولاً فرنسيا تجاه مقاربة المعادلة السابقة لإيصال الوزير السابق، سليمان فرنجية، للرئاسة، على أن يتسلم نواف سلام رئاسة الحكومة، فيما لا تزال الصورة ضبابية لطبيعة المهمة ومفاصل المتغير فيها، في وقت اعتبر الحراك الفرنسي مفاجئاً في هذا الاتجاه، ما أوحى بتفسيرات متباينة حول مداها، وخلفياتها، وأهدافها.
وأياً يكن الحراك الفرنسي، ثمة واقع لبناني معقد، وغير مسبوق، فقد تقاطعت مواقف كثيرة على ترشيح الوزير الأسبق للمالية، جهاد ازعور، في مقابل الوزير الأسبق للداخلية، سليمان فرنجية، وهي محاولة اعتبرها البعض محطة للانتقال نحو خيار ثالث، بصرف النظر عن إمكانية التحقق من عدمها.
في أي حال من الأحوال، فإن ضبابية الصور القائمة حول الجلسة الانتخابية يوم غدٍ تشي بمسارات غير مريحة لما ينتظره اللبنانيون، لا سيما وأن فشل هذه الجلسة في التوصل لانتخاب رئيس سيمدّد الأزمة في اتجاهات أشد قسوة، من بينها الشغور الذي سيطال العديد من المواقع الحساسة جداً، مثل حاكمية مصرف لبنان، وقيادة الجيش، والكثير من المواقع الحساسة في النظام.
فالمسارات المتوقعة لجلسة الانتخاب مليئة بالمواقف والتصورات المضطربة دستورياً، وجميعها تتجه باتجاه المآلات غير المنتجة، عملياً وفعلياً، وفي أحسن الأحوال، ستكون نموذجاً للجلسات السابقة، الذي سيسعى فريق المعارضة لصب الأصوات لمصلحة المرشح جهاد ازعور، الذي يعتبره الفريق الآخر مرشح تحدٍ لقطع الطريق على سليمان فرنجية، من دون وجود حظوظ فعلية لانتخابه، حيث ستختلط الأوراق البيضاء بين الأصوات المؤيدة والمعارضة للخيارات المطروحة، وعليه ستؤول نتائج هذه الجلسة إلى تمديد الفراغ، ولو بخصائص ووقائع أشدّ قسوة وخطراً، من دون إمكانية معرفة المآلات التي ستصل إليها الأمور.
ثمة ظروف ووقائع مماثلة لما قبل اتفاق الطائف 1989، فراغ رئاسي تمدد لمؤسسات رئيسية وحساسة، واليوم يغرق لبنان واللبنانيون، وسط خيارات معدومة، ووسط انقسام عمودي حاد، وافتراق وتباين وصولاً إلى بيئات نزاعية حادة سرعان ما يمكن أن تنقلب إلى احتراب من دون ضوابط محددة للتحكم والسيطرة، ما ينقل مسارات الصراع إلى مستويات ستأخذ الجميع نحو البحث عن صيغ جديدة لنظام سياسي لم يعد يلبي طموحات الكثيرين من الأطراف اللبنانية الفاعلة.
ثمة من يعتبر أن خلط المسارات القائمة حالياً قبل جلسة الانتخاب يوم غدٍ ربما تكون مملوءة بالمفاجآت، وإن يكن معظمها ذات طبيعة ونتيجة واحدة ستؤدي إلى تكريس فراغ رئاسي سيتمدد باتجاهات مختلفة، إنما تداعياته ستكون كارثية على الواقع القائم، كما على مستقبل ما ستؤول إليه أمور النظام، سياسياً ودستورياً، وبالتأكيد ديموغرافياً، وهنا بيت القصيد المتصل بصورة النظام القادم المفترض، ومدى احتوائه للمعطيات الديموغرافية القائمة حالياً، من نازحين ولاجئين، والذين باتت أعدادهم غير المعروفة أصلاً تفوق أعداد اللبنانيين أنفسهم، إضافة إلى دعوات بدأت تصدر، همساً وعلانية، حول الفيدرالية والكونفدرالية، كأن لبنان مساحات شاسعة يتسع لمثل هذه الأطروحات.