زيلينسكي والحقيقة المرة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لا نعلم ما إذا كان زيلينسكي بارعاً في التمثيل، أم كان ممثلاً عادياً قبل أن ينتقل من عالم التمثيل إلى عالم السياسة، لمواجهة الحقائق المرة، كما هي، وكما تتجسد على أرض الواقع، بعيداً عن خشبة المسرح التي اعتاد أن يطل عليها قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية.

 لكن ما هو مؤكد أن زيلينسكي لا يزال وفياً لمهنته في عالم التمثيل الذي ينتمي إليه، أكثر مما هو قادر على ولوج عالم السياسة والحروب والتحديات التي باتت قدراً محتوماً لا مفر من مواجهتها، رغم إرث الماضي الذي لا يزال يستحضره بين الحين والآخر. وبالتالي تظهر التناقضات في سلوكه بين عالم الفانتازيا الذي اعتاد عليه، والواقع الصادم الذي يعيشه، فهو يمنّي النفس بهزيمة روسيا، واستعادة الأراضي التي خسرها ويحلم بأن يصبح جزءاً من العالم الغربي وديمقراطية العالم الحر عبر نيل عضويتي «الناتو» والاتحاد الأوروبي، ويفرح عندما تقوم المحافل الدبلوماسية في هذا البلد أو ذاك بالتصفيق له، والوقوف لتحيته عندما ينهي خطابه أو مداخلته المفعمة بنشوة العلاقات الجديدة مع عالمه المحبب، في لحظة أشبه بتصفيق الجمهور له عقب انتهاء أدائه على خشبة المسرح. 

 لا ندري إن كان زيلينسكي يدرك أن العالم الغربي له حساباته ومصالحه، ويقدم له كل هذا الدعم وهذه الهدايا، ليس حباً في الدفاع عن أوكرانيا أو قيم الديمقراطية، لكن من الواضح أن زيلينسكي المشحون بعواطف الاحتضان الغربي له، سعيد بإحياء هزليته الدفينة، إلى الحد الذي يدفعه للسخرية من بوتين داعياً إياه إلى تحضير مواطنيه الروس إلى الخسارة، أي خسارة ما تسيطر عليه روسيا الآن من الأراضي الأوكرانية، معولاً على هجومه المضاد المدعوم من كل أرجاء الغرب. ويذهب في سخريته إلى الرد على ما قاله بوتين في منتدى سانت بطرسبرغ حول تدمير القوات الروسية منظومات دفاع جوي أمريكية من طراز «باتريوت»، مؤكداً أن كافة المنظومات سليمة، وأن الصواريخ الروسية هي التي تم تدميرها.

 لكن الأمر لم يدم طويلاً، فمع تباطؤ الهجوم الأوكراني، وإحباطه على كل الجبهات الرئيسية، وجد زيلينسكي نفسه أمام الحقيقة الصادمة، وهي أن المعركة مع روسيا لن تكون سهلة على الإطلاق، وأن توقعاته باستعادة سريعة لكل الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية ذهبت أدراج الرياح، ما اضطره في مواجهة الانتقادات إلى العودة مجدداً إلى طبيعته التمثيلية، معلناً أن الأمر ليس فيلماً من أفلام هوليوود، إذ «هناك بعض الناس يتوقعون أن تتحقق النتائج الآن، لكن الأمر ليس كذلك»، معتبراً أن «أرواح الناس على المحك». 

 والحقيقة أن معظم عواصم الغرب لم تتوقع نجاح الهجوم الأوكراني المضاد، بما في ذلك «البنتاغون»، لكن هناك من لا يزال يعول على مواصلة الحرب، لإجبار روسيا على التفاوض. حتى أن الأجهزة الأمنية البريطانية، غالباً ما تحاول إظهار التراجع الأوكراني على أنه تقدم، خلافاً لما يعتقده زيلينسكي نفسه، حتى وإن حاول تقمص شخصية غوبلز في تكرار الكذب حتى تصدق نفسك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34nxj2zn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"