عادي

ذكرى مقتل 22 مليون إنسان.. ما القصة؟

17:34 مساء
قراءة 5 دقائق
ولي العهد النمساوي الراحل الأرشيدوق فرانز فرديناند

الخليج - متابعات
يصادف الثامن والعشرون من يونيو عام 1914، لحظة فارقة في ذاكرة تاريخ الإنسانية، انتهت فيها حياة ولي العهد النمساوي الأرشيدوق فرانز فرديناند، وبدأت فيها حرب عالمية دامية أوحلت البشرية في صراع عنيف استمر أربع سنوات، راح ضحيته نحو 22 مليون شخص، وتشكّلت على إثره خارطة العالم الحديث، فمن هو ولي عهد النمسا ومن قاتله؟
اهتز العالم على وقع حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند، البالغ من العمر 51 عاماً، فخلال مناورات عسكرية في البوسنة، أقدم شاب من صرب البوسنة يبلغ من العمر 19 عاماً ويدعى «غافريلو برانسيب»، على توجيه رصاصات من مسدسه نحو ولي عهد النمسا وزوجته الأميرة «صوفي» خلال زيارتهما للعاصمة البوسنية سراييفو، وهو الأمر الذي أسفر عن وفاة الزوجين خلال بضع دقائق؛ ليشهد العالم بعد ذلك بشهر واحد اندلاع الحرب العالمية الأولى، والتي استمرت أكثر من أربع سنوات متسببة بسقوط عشرات الملايين من القتلى والجرحى.
فرانز فرديناند وصدفة القدر
ولد الأرشيدوق فرانز فرديناند في 18 ديسمبر 1863 بمدينة غراز شمالي النمسا، وكان والده كارل لودفيغ هو الأخ الأصغر لإمبراطور المجر والنمسا فرانز جوزيف.
ومنذ شبابه الأول، بدا أن القدر يخدم مستقبله، وأن الظروف تتهيأ تلقائياً لتتويجه بالعرش، ففي عام 1896، انتحر ابن الإمبراطور الذي كان ولياً للعهد.
ولاحقاً، تمت ترقية أخي الإمبراطور ووالد فرديناند لمنصب ولي العهد، لكنه توفي عام 1889 جراء إصابته بحمى التيفود، ومنذ ذلك التاريخ بدأ إعداد فرانز فرديناند للعرش.
وأوحت ملامح فرديناند في مقتبل عمره بالهدوء، لكنه كان سليط اللسان وسريع الغضب، وبعد أن فاز بمعركة الزواج من صوفي، كان عليه التحرك لمنع تفكك إمبراطورية النمسا والمجر.
وفي 28 يونيو 1914، حضر فرانز فرديناند للمشاركة في مناورات عسكرية بسراييفو، وبينما كان موكبه يسير وسط المدينة، اعترضه فتية من حركة «اليد السوداء» فأمطروه بالقذائف، ولكنّ المهاجمين أخطأوا هدفهم، وأصابوا عربة غير تلك التي كان يستقلها الأمير وزوجته.
وبمجرد أن ظهر فشل الخطة، صرخ ولي العهد بأعلى صوته «أتستقبلون ضيوفكم بالقذائف؟».
كان يوماً عصيباً ذاك الذي تعرض فيه الأمير لمحاولة الاغتيال بقنبلة، وكان وقع فشل اغتيال ولي العهد في ذاك اليوم العصيب، صادماً وثقيلاً بالنسبة إلى القتلة الذين تملّكهم الغضب لإخفاقهم بمهمتهم، ولكن من مفارقات الأقدار وفي طريق عودتهم، تملّك أحدهم الجوع، فطلب من رفاقه التوقف لدقائق للحصول على شطيرة في أحد المحال على الطريق.
وفي تلك الأثناء، كانت عربة الأرشيدوق فرانز تتجه عائدة إلى القصر، لكن لسوء حظ الأرشيدوق، اتخذ سائقه منعطفاً خاطئاً ومر بجوار المحل، حيث توقف المهاجم لتناول الشطيرة، وبمجرد أن رآه المهاجم الذي لم يكن يصدق عينيه، وفي لمح البصر، أطلق النار عليه وعلى زوجته في حدث مفصلي، يُقال إنه كان نقطة انطلاق الحرب العالمية الأولى.
ولم يعمّر وريث إمبراطورية النمسا طويلاً بعد تلك اللحظة، فعندما استدار الموكب عائداً إلى القصر، كانت بانتظاره رصاصة استقرت في عنقه وأخرى بخاصرة صوفي.
مصير القاتل
وتزامناً مع نجاح الشاب الصربي «غافريلو برانسيب»، في استهداف ولي عهد النمسا وزوجته، حاول الانتحار، ليقدم في بادئ الأمر على تناول سمّ لم يكن له أي تأثير في جسده بسبب انتهاء فترة صلاحيته، وبعد فشل تلك المحاولة، سعى الصربي لإنهاء حياته بطريقة ثانية، بتوجيه رصاصة لنفسه على مستوى الرأس من مسدسه « FN Model 1910»، والذي كان قد استخدمه لقتل ولي عهد النمسا وزوجته.
ومرة أخرى فشلت محاولة «غافريلو برانسيب» للانتحار؛ حيث تمكن أفراد الشرطة النمساوية من السيطرة عليه، وانتزاع مسدسه ليعتقل الأخير رفقة عدد آخر من زملائه الضالعين في عملية الاغتيال التي قادت العالم نحو الحرب العالمية الأولى.

الصورة

وفي يوم 12 من شهرأكتوبر سنة 1914، بدأت جلسات محاكمة «برانسيب» ورفاقه بإحدى قاعات السجن العسكري بالعاصمة البوسنية سراييفو؛ حيث وُجهت للأخير تهمة الخيانة العظمى وقتل ولي عهد النمسا «فرانز فرديناند» وزوجته صوفي.
وخلال جلسة يوم 17 أكتوبر سنة 1914، عبّر غافريلو برانسيب عن شعوره بالفخر؛ لنجاحه في توجيه ضربة قاسية للنمساويين.
وأثناء محاكمته، تمتع الشاب الصربي بالقوانين التي أرستها سلالة «هابسبورغ» النمساوية الحاكمة خلال العقود الماضية، والتي تمنع إصدار أحكام بالإعدام على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة.
وأثناء تنفيذه لعملية الاغتيال بسراييفو، كان عمر «غافريلو» 19 سنة؛ حيث كان يفصله 27 يوماً فقط عن بلوغ العشرين؛ لينجو بذلك الأخير من عقوبة الإعدام، ويحصل يوم 28 من شهر أكتوبر سنة 1914 على حكم بالسجن 20 سنة.
ومكث غافريلو برانسيب بالسجن لمدة قاربت 3 سنوات و10 أشهر، تدهورت خلالها حالته الصحية بسبب إصابته بمرض بوت، والذي يعد نوعاً من أنواع السل يصيب عادة الفقرات، وهو ما أدى إلى بتر ذراعه اليمنى. وفي يوم 28 من شهر إبريل سنة 1918، توفي في سجن «تيريزين» عن عمر يناهز 23 سنة.
لمحات من الحرب
أجج اغتيال الأرشيدوق نقمة النمسا على الصرب، وأشعل فتيل الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في أوروبا، وسرعان ما امتدت لباقي دول العالم بين عامي 1914 و1918، وكانت براكين الحرب في ما قبل على أوج الاستعداد للثوران، بعد تأزم الوضع وإقدام إمبراطورية النمسا والمجر على غزو صربيا، لتعلن على إثرها روسيا الحرب على النمسا، ثم تدخل ألمانيا الحرب كحليف للنمسا، ودخلت فرنسا وبريطانيا كحليفين لروسيا.
ومع بداية الحرب اعتمد الخصوم على التحركات العسكرية السريعة، خلال هذه الفترة، على كل الجبهات، وكانت الانتصارات الأولى لصالح دول التحالف الثلاثي بزعامة ألمانيا، غير أن دول الوفاق تمكّنت من وضع حد لتقدم قوات التحالف بعد معارك حاسمة مثل معركة فردان ومعركة السوم في فرنسا سنة 1916.
بينما اتخذت الحرب على الجبهتين الغربية والروسية خاصة، طابع الثبات في المواقع، وقامت الجيوش المتقابلة على الجبهات بحفر الخنادق وتحصينها وتجهيزها مستخدمة في مواجهاتها أسلحة جديدة مثل الدبابات والطائرات.
ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب إلى جانب دول الوفاق، بعد حصار بحري فرضته دول التحالف الثلاثي، ردت عليه ألمانيا بحرب غواصات استهدفت خلالها جميع السفن المشاركة في الحصار، وحتى سفن الولايات المتحدة التي كانت في وضع الحياد آنذاك.
وشكّل وصول القوات الأمريكية إلى فرنسا في يوليو 1917، تحولاً مهماً في مسار الحرب؛ لأنها ساعدت جيوش الوفاق على شن هجوم مضاد على الألمان، ما اضطرهم للتراجع مئات الكيلومترات.
وفي البلقان أجبرت قوات الوفاق بلغاريا على الاستسلام في سبتمبر 1918، فطلبت الدولة العثمانية الصلح في أكتوبر من السنة نفسها، وكذلك فعلت النمسا في بداية نوفمبر.
فلم تجد ألمانيا بداً من الاستسلام، ووقّعت الهدنة في 11 نوفمبر 1918، بعد أن فشلت في مواجهة تكتل الوفاق الثلاثي بمفردها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5t4ee7c7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"