عنصرية الغرب وشعاراته المزيفة

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

ما جرى في العاصمة السويدية، استوكهولم، مع إشراقة شمس عيد الأضحى من إساءة صارخة للمسلمين، عبر إقدام المتطرف سلوان موميكا عضو حزب «ديمقراطيو السويد» بحرق المصحف الشريف، وإقامة تظاهرة أمام الجامع الكبير في استوكهولم، هو أمر على الرغم من بشاعته ومدلولاته العنصرية، فإنه يقدم لنا دليلاً جديداً على الأزمة الأخلاقية التي تعيشها بعض الدول الغربية، وازدواجية المعايير التي تحكم سياساتها، وسط ذلك الضجيج المفتعل والشعارات الطنانة حول ما تسميه القيم الديمقراطية الغربية، في ظل اجتياح العنصرية وخطابات الكراهية للقارة الأوروبية، وتصاعد خطاب التحريض على كراهية الأجانب بشكل عام، والأقليات بشكل خاص، بتشجيع من بعض الحكومات على التمييز والعنف ضد اللاجئين والمهاجرين من العرب والمسلمين، وهو ما ينطوي على خطر كبير لا يكشف زيف ادعاءات الغرب وشعاراته حول حقوق الإنسان في الدول الغربية فحسب، وإنما يهدد أمن المجتمعات الأوروبية والغربية عامة، نظراً لما يرتبط بهذه النزعة الهدامة من خلق أجواء يسودها الحقد والكراهية والتطرف، الذي يمس كرامة الإنسان.

 فمع انتشار وتنامي الحركات اليمينية المتشددة، تحولت العنصرية في أوروبا والغرب عامة إلى شكل علني، وأخذت طابعاً مؤسساتياً في العديد من المجالات، فضلاً عن استخدام خطاب مكافحة الإرهاب، لتبرير استخدام العنف والكراهية ضد المسلمين في سياسة حاقدة تفتقر إلى معايير حقوق الإنسان، وهو الشعار العريض الذي قرع به الغرب آذاننا، في مخالفة صريحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما في مادته الأولى التي تؤكد أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بروح الإخاء. وكذلك ما نصت عليه المادة الثانية من الإعلان التي تؤكد أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان.

 ومن المؤسف جداً أن التأثير المتزايد للسياسات القومية المتطرفة وكراهية الغير والمسلمين خاصة، أصبح منتشراً إلى حد كبير في جميع أنحاء أوروبا؛ حيث يتعرض هؤلاء لأبشع أشكال التعصب والتمييز العنصري، في مختلف مجالات ومفاصل الحياة.

 ويكشف استطلاع للرأي العام أجرته، قبل عامين وكالة الاتحاد الأوروبي للتسوق الأساسية، أن 92% من المسلمين فى أوروبا يعانون صوراً عدة من التمييز العنصري، وأن 53% واجهوا التفرقة العنصرية عند محاولات العثور على سكن بسبب أسمائهم، وأن 39% عانوا التمييز، بسبب مظهرهم الخارجي عند سعيهم للحصول على عمل. فيما كشف تقرير للشبكة الأوروبية ضد العنصرية أن 10 إلى 15% من سكان الاتحاد الأوروبي يعتنقون أيديولوجيات عنصرية، وهو أمر جد خطر، وينذر بكوارث ليس على المسلمين في أوروبا وحسب، وإنما على الأوروبيين أنفسهم، لأن الكراهية والحقد ورفض الآخر والتمييز العنصري، كلها مسلكيات تدمر صاحبها أيضاً وتجعل منه شخصاً سيكوباتياً، ومعرقلاً لطبيعة الحياة الإنسانية الفطرية.

 ومع خطورة وفظاظة ما جرى في السويد من استفزاز متعمد لمشاعر أكثر من ملياري مسلم حول العالم، بإحراق كتابهم المقدس المصحف الشريف، من دون أن تحرك السلطات السويدية ساكناً، بحجة حرية التعبير، أبلغ دلالة على مستوى السقوط الأخلاقي الذي يعانيه الغرب المتشدق بشعاراته الرنانة حول حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرهما من العبارات التي تتخم بها الماكينة الإعلامية الغربية.

 ولعل ما كشفته الحرب الروسية الأوكرانية يقدم أبلغ دليل عن الوجه القبيح للغرب وزيف الشعارات والقيم التي لطالما نادى بها؛ حيث أظهرت هذه الحرب العنصرية الفجة أثناء التغطية الإعلامية للحرب من قبل العديد من المراسلين والمحللين السياسيين فى قنوات فرنسية وأمريكية وصحف بريطانية؛ وذلك فى التعامل مع اللاجئين وإجراء مقارنات بينهم بحسب جنسياتهم وخلفياتهم العرقية والثقافية والقومية وتفضيل الأوكرانيين، لأنهم أوروبيون ومتحضرون وبيض؛ بل ووصل الأمر ببعض الإعلاميين أو السياسيين الأوروبيين إلى الزعم بأن الهجوم على أوكرانيا لا يمكن مقارنته بالحرب في العراق وأفغانستان، لأن الأولى أكثر تحضراً.

 وما يقال عن الكراهية والعنصرية في أوروبا يقال أيضاً عن الحال في أمريكا والغرب بشكل عام؛ حيث إن التحيز ضد المسلمين منتشر في كل مكان ليس فقط من الناحية الجغرافية، ولكن أيضاً عبر الطيف السياسي، الأوروبي من اليمين إلى اليسار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryj7h7e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"