اعتذار عن تاريخ أسود

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

فتح ملك هولندا فيليم ألكساندر بشجاعة، جرحاً عميقاً في جسد الإنسانية التي اكتوت بنار الرق والعبودية على مدى عقود من التاريخ الاستعماري، ليعلن اعتذار بلاده عن تلك المرحلة التي شاركت فيها هولندا غيرها من الدول الأوروبية على مدى 250 عاماً في ممارسة أبشع ما عرفته الإنسانية من جرائم.

 صحيح أن الاعتذار وحده لا يكفي، لمداواة جرح غائر وعميق، لكنه يخفف من آلامه، لأن الاعتراف بالذنب، هو تعبير عن الندم، لما اقترفه أسلاف ملك هولندا الحالي خلال مرحلة قاتمة من التاريخ الإنساني، ما زالت آثارها بادية حتى الآن، كما أن الرق والعبودية ما زال حاضراً بأشكال مختلفة.

 الرق والعبودية ليس جديداً، فقد كان يمارس عبر العصور من خلال الدول والإمبراطوريات؛ حيث قامت على أكتاف العبيد، حضارات كبرى، ما زالت شواهدها قائمة، لكن الدول الاستعمارية في القرن السابع عشر وما بعده، كرّست أشكالاً بشعة من الرق من خلال استعباد مئات آلاف الأفارقة، ونقلهم عبر المحيط الأطلسي إلى أمريكا الشمالية، وجزر البحر الكاريبي؛ حيث كانوا يباعون هناك، للعمل في مزارع قصب السكر أو لخدمة السادة البيض، من دون أدنى حقوق الإنسانية، كونهم يعدون من العرق الأسود، و«وثنيين» أو «متوحشين»، من منطلق التفوق العرقي للرجل الأبيض.

 قال ملك هولندا في اعتذاره: «أنا أطلب المغفرة»، وأضاف: «إن تجارة الرقيق والعبودية، جريمة ضد الإنسانية»، ووجه انتقاداً إلى حكام وملوك هولندا السابقين، لأنهم «لم يقدموا على ذلك».

 لا شك أن الخطوة مهمة وضرورية من أجل تضميد جراح الماضي، واستعادة القيم والروح الإنسانية بين بني البشر، ونشر ثقافة التسامح والصفح والتسامي فوق الجراح.

 كان هناك مسار طويل للوصول إلى مرحلة الاعتذار، فقد تم إلغاء العبودية في المستعمرات الهولندية السابقة، خصوصاً في سورينام وبعض جزر الكاريبي عام 1863، لكن الممارسة استمرت عشرة أعوام إضافية. وفي العام الماضي، سبق لرئيس الوزراء الهولندي مارك روته، أن اعتذر باسم حكومته، وصولاً إلى الملك الذي اعتذر قبل يومين.

 كانت هولندا واحدة من الدول الاستعمارية الأوروبية التي مارست أبشع أشكال العنصرية والاستعباد، ومثلها فعلت بريطانيا وبلجيكا والدنمارك وهولندا وإسبانيا والبرتغال؛ حيث نهبت ثروات عشرات الدول، واستعبدت أهلها أو قامت بسبي البشر، ونقلهم في السفن إلى مستعمرات أخرى، لبيعهم في أسواق النخاسة، للقيام بأعمال شاقة.

 إن إرث هذه الدول وغيرها من الدول الاستعمارية، هو إرث مهين للبشرية، ومثقل بالآفات الاجتماعية، القائمة على سيادة الرجل الأبيض. ومع الأسف فإن هذا الإرث الخبيث لا تزال جذوره قائمة في دول عدة، خصوصاً مع حالة نهوض التطرف من منطلق عنصري استعلائي، يُمارس ضد الأقليات وأصحاب البشرة السمراء والمسلمين.

 إن هذه الدول ليست مطالبة فقط بالاعتذار عن تاريخها الاستعماري البغيض كما فعلت هولندا؛ بل بتحويل مبادئ الحرية والديمقراطية التي تدعي الإيمان بها إلى فعل متجذر، يكرّس الكرامة الإنسانية والعدالة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mua5wzb3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"