عادي
جون ميليه يأخذ المشاهد في رحلة جغرافية

استكشاف القطب الشمالي في لوحة

15:01 مساء
قراءة 3 دقائق
لوحة «الممر الشمالي الغربي»
استكشاف القطب الشمالي في لوحة

الشارقة: عثمان حسن

السير جون إيفريت ميليه (1829 - 1896) رسام إنجليزي وأحد مؤسسي جماعة «ما قبل الروفائيلية» كان طفلاً معجزة، ففي سن الحادية عشرة، أصبح أصغر طالب يلتحق بمدارس الأكاديمية الملكية بلندن. تأسست جماعة ما قبل الروفائيلية في منزل عائلته في لندن. أصبح ميليه أشهر داعية لأسلوب الجماعة، وقد أثارت رسوماته جدلاً كبيراً في الوسط الفني، كما أنتج بورتريهات كانت بمثابة تجسيد للتركيز التاريخي والطبيعي للمجموعة مثل لوحة «أوفيليا» التي رسمها بين 1851-1852.

بحلول منتصف خمسينات القرن التاسع عشر، ابتعد ميليه عن أسلوب (ما قبل الرفائيلية) لتطوير شكل جديد من الواقعية في فنه. حققت أعماله اللاحقة نجاحاً هائلاً، ما جعله واحداً من أغنى الفنانين في عصره، بعض النقاد الذين قرأوا الفن من خلال عدسة الحداثة، نظروا إلى الكثير من إنتاجه اللاحق على أنه مطلوب بقوة في سوق الفن، ومع تغير هذا المنظور، ظهرت أعماله اللاحقة في سياق تغييرات أوسع، واتجاهات متقدمة في عالم الفن في أواخر القرن التاسع عشر، ويمكن اعتبارها الآن تنبئية لعالم الفن في الوقت الحاضر.. من اللوحات الشهيرة لميليه واحدة بعنوان «الممر الشمالي الغربي» ورسمها عام 1874.

تصور لوحة «الممر الشمالي الغربي» بحاراً مسناً جالساً على مكتب، وابنته جالسة على كرسي بجانبه، يحدق البحار في المشاهد، بينما تقرأ ابنته في دفتر سجلات. يوجد على المكتب مخطط كبير يصور ممرات معقدة بين الجزر المخططة بشكل غير كامل.

عرض ميليه اللوحة بالعنوان الفرعي «ربما يمكن فعلها ويجب على إنجلترا فعلها»، وهي عبارة تخيلها ميليه على لسان البحار المسن. يشير العنوان والعنوان الفرعي إلى الفشل المتكرر للبعثات البريطانية في العثور على مكان الممر الشمالي الغربي، وهو ممر صالح للملاحة حول شمال القارة الأمريكية. أصبحت هذه الحملات مرادفة للفشل والشدائد والموت، حيث يتصارع الرجال والسفن ضد الصعاب والتحديات في برية متجمدة.

  • *تغيير

كان ميليه حريصاً على استخدام إدوارد جون تريلاوني كنموذج لشخصية البحار القديم في اللوحة. التقى به في جنازة صديقهما المشترك جون ليش. وقد أقنعت إيفي جراي زوجة ميليه تريلوني بالجلوس لرسم الصورة. كانت الشخصية الأنثوية عارضة أزياء محترفة هي السيدة إليس، والتي تم استخدامها لاحقاً في لوحة أخرى لميليه عام (1876). يصور الجانب الأيمن من اللوحة الأصل، اثنين من أحفاد البحار اتخذهما ميليه كنموذجين وقد صورهما ينظران إلى كرة لخريطة العالم، ولكن بعد أن أكمل ميليه الرسم، أصبح غير سعيد بشكل الطفلين معتقداً أن ذلك يصرف المشاهد عن الشخصيات الرئيسية، فقام بقص هذا الجزء من اللوحة واستبدله بشاشة علقت عليها أعلام البحرية البريطانية.

عرضت اللوحة لأول مرة في الأكاديمية الملكية للفنون في عام 1874، حيث أشاد بها نقاد الفن في ذلك الوقت. ثم قدمت في المعرض الدولي في باريس عام 1876. وقد اشتراها هنري بولكو من أحد مالكيها السابقين واسمه مارتون هول مقابل 4930 جنيهاً استرلينياً، واشترى هنري تيت هذه اللوحة لاحقاً وصارت ضمن ممتلكاته في عام 1888، ثم تبرع بها للمعرض الوطني للفنون البريطانية، الذي سمي لاحقاً باسم معرض تيت.

  • *نجاح لافت

حققت اللوحة نجاحاً منقطع النظير في زمنها، وتم استنساخها على نطاق واسع، يقول ابن ميليه: إنه رأى ذات مرة في كوخ أحد الرعاة في جنوب إفريقيا لوحة «الممر الشمالي الغربي» جنباً إلى جنب مع لوحة ميليه السابقة «طفولة رالي» فقد جاءت لترمز إلى صورة بريطانيا كأمة من المستكشفين الأبطال.

تلقى ميليه رسالة من المستكشف السير جورج ناريس، قال فيها «إن اللوحة كان لها تأثير قوي على روح الأمة».

وقد تمت الإشارة إلى اللوحة في عدد من الرسوم الكاريكاتورية، في أكتوبر 1874.

استلهم جورج برنارد شو من الصور المتعثرة للفشل والإحباط في العمل عندما كتب مسرحيته الشهيرة «القلب الكسير» والتي تؤكد على حسرة وعجز شخصياتها، في إشارة إلى بطلي المسرحية (الكابتن شوتوفر وإيلي دن)، في تمثيل لنموذجي اللوحة الشهيرة لميليه

  • *خلفية

تم البحث عن الممر الشمالي الغربي مراراً وتكراراً (وهو الممر الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي عبر أرخبيل القطب الشمالي الكندي)، منذ رحلات المستكشف والبحار الإنجليزي هنري هدسون (1565 - 1611)، في أوائل القرن السابع عشر. كانت المحاولة الأكثر أهمية هي الرحلة الاستكشافية عام 1845 التي قادها ضابط البحرية الملكية البريطانية والمستكشف جون فرانكلين (1786 - 1847)، والتي اختفت دون أن تترك أثراً على ما يبدو. وجدت البعثات اللاحقة دليلاً على أن سفينتي فرانكلين قد علقتا في الجليد، وأن طاقمهما قد مات لأسباب مختلفة، وبعضهم قام بمحاولات فاشلة للهروب عبر الجليد. لم تتمكن هذه الرحلات الاستكشافية اللاحقة أيضاً من التنقل بين كندا والقطب الشمالي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4p4pbb9e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"