محرك أوروبا الاقتصادي

22:18 مساء
قراءة 3 دقائق

ويليام ويلكس

لعقود من الزمن، وألمانيا تعتبر المحرك الاقتصادي لأوروبا وحصنها المنيع ضد الأزمات المتتالية. ومع ذلك، فإن هذه المرونة آخذة في الانهيار اليوم، مما يشكل أكبر تهديد أساسي لازدهار البلاد منذ الوحدة، وخطر على القارة بأكملها.

ومع ذلك، وعلى عكس ما حدث في عام 1990، تفتقر الطبقة السياسية الحالية إلى القيادة اللازمة لمعالجة القضايا الهيكلية التي تنهش قلب القدرة التنافسية لألمانيا. وبينما أظهرت برلين إمكانات فائقة في التغلب على الأزمات في الماضي، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان بإمكانها اتباع سياسة استراتيجية مستدامة. لكن يبدو الاحتمال بعيداً، فبمجرد أن تراجعت مخاطر نقص الطاقة، عاد الخلاف الداخلي حول كل شيء بين صفوف التحالف المؤقت بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتز، من الديون والإنفاق إلى مضخات الحرارة وحتى حدود السرعة.

اليوم، بات من الصعب تجاهل إشارات التحذير الواضحة. وعلى الرغم من أن شولتز قال في يناير إن ألمانيا ستتجاوز ضغوط الطاقة الروسية دون ركود هذا العام، أظهرت أحدث البيانات المنشورة أن الاقتصاد الألماني آخذ بالانكماش منذ أكتوبر من العام الماضي، وتوسع مرتين فقط في الأرباع الخمسة الأخيرة.

ويرى الاقتصاديون أن النمو الألماني يتأخر عن بقية المنطقة لسنوات قادمة، ويقدر صندوق النقد الدولي أن ألمانيا ستكون أسوأ اقتصاد في مجموعة السبع هذا العام. ومع ذلك، بدا شولتز متفائلاً مرة أخرى، وقال للصحفيين في برلين بعد البيانات الاقتصادية الأخيرة: «إن آفاق الاقتصاد الألماني جيدة جداً، ونحن نعالج التحديات التي تواجهنا».

في الجانب الأهم، وجدت ألمانيا نفسها فجأة غير مهيأة لتلبية احتياجات الطاقة لقاعدتها الصناعية على نحو مستدام، وباتت تعتمد بشكل مفرط على هندسة المدرسة القديمة؛ وتفتقر إلى المرونة السياسية والتجارية للتركيز على القطاعات الأسرع نمواً. وهنا تشير مجموعة التحديات الهيكلية إلى صحوة ثقيلة لمركز القوة الأوروبية، التي أصبحت معتادة ربما على الثراء المستمر.

ومن القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة لألمانيا اليوم هي إعادة انتقال الطاقة إلى مسارها الصحيح. فالطاقة الرخيصة هي شرط أساسي مسبق للقدرة التنافسية الصناعية لأي اقتصاد عالمي. لكن، حتى قبل قطع إمدادات الغاز الروسي، كانت ألمانيا ضمن أعلى الدول الأوروبية من حيث تكاليف الكهرباء. وقد يؤدي الفشل في تحقيق الاستقرار إلى تحويل الشركات المُصنعة وجهتها إلى مكان آخر.

بدورها، تستجيب برلين للمخاوف من خلال السعي إلى وضع حد أقصى لأسعار الطاقة لبعض الصناعات كثيفة الاستخدام لها مثل المواد الكيميائية حتى عام 2030، وهي خطة قد تكلف دافعي الضرائب ما يصل إلى 30 مليار يورو (32.2 مليار دولار). ومع هذا، يبقى تصحيحاً مؤقتاً يُظهر الوضع اليائس لألمانيا من حيث العرض.

وبعد إغلاق آخر مفاعلاتها النووية هذا الربيع، ودفعها للتخلص التدريجي من الفحم في غضون سبع سنوات، عملت الدولة على توليد نحو 10 جيجاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية العام الماضي، وهي نصف السعة التي تحتاجها لتحقيق الأهداف المناخية المرجوّة. وتهدف إدارة شولتز إلى توصيل ما يقرب من 625 مليون لوحة شمسية و19 ألف توربين رياح بحلول عام 2030، لكن الوعود بتسريع بدء التشغيل إلى أشهر من سنوات لم تؤتِ ثمارها بعد. كما أنه من المتوقع أن يرتفع الطلب بسبب تحول كل شيء إلى الطاقة الكهربائية، من التدفئة والنقل إلى صناعة الصلب والصناعات الثقيلة.

الحقيقة المؤسفة هي أن الموارد اللازمة لتوليد هذا القدر الكبير من الطاقة النظيفة محدودة في ألمانيا بسبب سواحلها الصغيرة نسبياً وقلة شمسها. ورداً على ذلك، تتطلع برلين لعقد اتفاق متعدد الأطراف بشأن سرعة التوسع في البنية التحتية للطاقة المتجددة واستيراد الهيدروجين من دول كأستراليا وكندا والمملكة العربية السعودية، بالاعتماد على التكنولوجيا التي لم يتم اختبارها بعد على هذا النطاق. في الوقت نفسه، ستحتاج ألمانيا إلى تسريع بناء شبكات الجهد العالي التي تربط مزارع الرياح قبالة السواحل في الشمال بالمصانع والمدن المتعطشة للطاقة في الجنوب.

قال كبير الاقتصاديين الأوروبيين في «بلومبيرغ إيكونوميكس» جيمي راش: «لقد تركت سنوات من نقص الاستثمار ألمانيا متخلفة، وستحتاج برلين إلى إنفاق المزيد وتسهيل انطلاق مشاريع البنية التحتية». لذا، على ألمانيا معالجة مشكلاتها من خلال برنامج إصلاح طويل الأمد، لكن هذا يبدو مشكوكاً فيه في ظل ائتلاف شولتز الثلاثي المملوء بالمشاحنات، والذي قد يُدخل البلاد فترة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

* مراسل الأعمال العالمية في «بلومبيرغ»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddznfn9

عن الكاتب

مراسل الأعمال العالمية في «بلومبيرغ»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"