بعد أكثر من 20 عاماً.. تكرار الفشل

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان
في إبريل/ نيسان من عام 2002 نفذت القوات الإسرائيلية عملية عسكرية على مخيم جنين، وحاولت تجريف المخيم بكامله، لكنها فشلت بعد صمود أسطوري للأهالي فيه. والهجوم حينها خلّف أضراراً وضحايا كبيرة وسقط من جرائه 497 قتيلاً فلسطينياً، وتم تدمير 878 منزلاً، واستنكره العالم بأسره، وتمَّ تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، لكن الضغوط حالت دول إكمال عملها، كي لا تُحال أعمال المرتكبين إلى محكمة الجنايات الدولية.

أعادت القوات الإسرائيلية الكرّة منذ أيام بإقدامها على مهاجمة مدينة جنين ومخيمها، بواسطة الجرافات والآليات العسكرية، وحجّتها أن مخيم جنين يحوي ناشطين فلسطينيين يقومون بعمليات ضد المستوطنين. لكن حجم العملية العسكرية ونوعية الأسلحة المُستخدمة هذه المرة؛ تؤكد نوايا إسرائيلية بالتخلّص من مخيم جنين بالكامل.

أعمال الهجوم الإسرائيلي خلّفت أكثر من 100 ضحية، بين قتيل وجريح، وجرفَّت منازل وممتلكات، ولاقت استنكاراً عربياً ودولياً واسعاً، لكونها تخرق القوانين الدولية، كما أنها تتعارض مع اتفاق أوسلو لعام 1994 الذي تمّ توقيعه بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثلاً شرعياً عن الشعب الفلسطيني.

الذرائع الإسرائيلية التي تبرر العملية العسكرية ليست منطقية، ولم يكن هناك ما يبرر القيام بهذه العملية على الإطلاق، والحجج التي ساقتها إسرائيل حول حماية أمن المستوطنين؛ لا تكفي لشنّ مثل هذا العملية، بينما القوانين التي تفرض حماية هؤلاء والتي أقرّها الكنيست، مؤخراً، لا تراعي المعايير الدولية، ولا الحق الإنساني، وكان يتوجب على إسرائيل ردع اعتداءات المستوطنين الغاصبين، وليس الاقتصاص من الذين يدافعون عن حقهم بالحياة، وعن أراضيهم التي تتعرض للقضم.

لا يمكن لإسرائيل أن تفرض حلاً أمنياً للنزاع على الإطلاق، وهي جرّبت سابقاً، وتكرر نفس التجارب من جديد، ولن تلقى سوى الفشل، ذلك أن الشعب الفلسطيني متشبث بأرضه وبحقه، ولن تقوى على هذه الإرادة أية أعمال عسكرية. وحل الأزمة يأتي من خلال التفاوض فقط، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في الدولة المستقلة، وفق المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت 2002.

إن السبب الذي يقف وراء التوتر القائم؛ هو القرارات التي تتخذها إسرائيل، خصوصاً منها التشريعات الأخيرة التي تفرض مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، تحت حجج واهية، وليس أعمال الناشطين الفلسطينيين كما تدعي إسرائيل.

الفلسطينيون أصحاب حق؛ لن يسكتوا عن ضياع حقهم بممارسات ظاهرها «قانوني»، ومضمونها يخفي نوايا واضحة بقضم الأراضي، وبتشديد الحصار على الشباب الفلسطيني لدفعه إلى الهجرة خارج بلده، لإحلال مستوطنين جُدد مكانه. ومخيم جنين الذي أنشئ عام 1953 إلى الغرب من المدينة، يسكن فيه فلسطينيون طردوا من مدنهم وبلداتهم داخل فلسطين، وهم يعيشون في حالة فقرٍ وعوز، وبؤسٍ لا مثيل له، وليس لديهم خيار آخر، لأنهم لا يستطيعون العودة إلى أماكن سكنهم الأساسية التي طردوا منها في زمن النكبة قبل ما يزيد على 75 عاماً.

لقد تجاوزت العملية الإسرائيلية على جنين كل الحدود، واستخدمت فيها أحدث آلات القتل والدمار ضد المواطنين العُزل. كما أن الوضع الإنساني الناتج عن شدة القصف والحصار لا يطاق. ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، لين هاستينغز، طالبت قوات الاحتلال بتأمين ممرات آمنة لطواقم الإسعاف المحاصرة، وبرفع الحصار الغذائي والمائي عن سكان المخيم، وفقاً لما تفرضه المواثيق الدولية.

وتبدو الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل عاملاً مؤثراً في الأحداث الأخيرة التي حصلت في جنين، وفي غيرها، من الأماكن، ذلك أن حكومة نتنياهو تركض إلى الأمام في سياق السباق والمزايدة في توفير مقومات الأمن للمستوطنين، لكن ذلك لن ينفع، وهي مقاربة فاشلة ستُعيد تكرار التجارب السابقة، والتي فشلت في تحقيق الاستقرار. وحدها مقاربة الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني تؤدي إلى السلام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2pfzu73f

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"