الاتحاد الأوروبي والنازحون السوريون

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين

في سابقة خطرة وقف خلفها بعض النواب الفرنسيين في البرلمان الأوروبي الذي صوّت بأغلبية ساحقة إلى جانب إبقاء النازحين السوريين في لبنان، وهي قضية تركت موقفاً جامعاً في لبنان قل نظيره، لجهة رفضه وإدانته، والعمل على إلغائه ومواجهة احتمال تنفيذه.

 وفي واقع الأمر، شكّل النزوح السوري مؤخراً، في لبنان، قضية ذات بُعد وطني لم تجتمع مختلف الفئات اللبنانية على موقف موحد كالذي اتخذته من هذه القضية، لما لها من مخاطر اعتبرها كثيرون ذات طابع وجودي، يهدد الكيان اللبناني، وتلامس مسألة حساسة متصلة بالتوزيع الديموغرافي السكاني في لبنان، وهي قضية ليست مستجدة، بل اعتبرها البعض احد أسباب الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 وما تم ربطه آنذاك بالوجود الفلسطيني، وأثره في التركيبة السكانية الدقيقة.

 ويأتي النزوح السوري اليوم ليضيف عُقداً إضافية على أزمات لبنان المتلاحقة، فثمة من يقول إن تعداد النزوح وصل إلى نصف تعداد سكان لبنان، في وقت لا وجود لإحصاء رسمي، ولا طريقة أو وسيلة لضبط النازحين، خروجاً ودخولاً، إلى الأراضي اللبنانية، وفي وقت ترفض أيضا مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المعنية بالموضوع، إعطاء جداول رسمية للسلطات اللبنانية إلا عبر منحهم إقامات دائمة، ما يُعتبر توطيناً مبطناً، يمكن أن يشرع لاحقاً، لا سيما وأن ضغوطاً كبيرة تُمارس على لبنان في هذا الاتجاه تحت عناوين مختلفة، أبرزها تقديم بعض المساعدات المادية للبنان، وسط ظروف مالية واقتصادية لبنانية مزرية.

 لقد تركت هذه القضية مؤخراً، تداعيات سلبية كبيرة في المجتمعين، اللبناني والسوري، في لبنان، الذي يشهد تنافساً شديداً على فرص العيش بين اللبنانيين والسوريين، وصلت إلى حد اتهام اللبنانيين بالعنصرية، في وقت يعاني فيه الطرفان من أشد أنواع شظف الحياة الكريمة، وأتى هذا القرار الأوروبي ليشعل سلسلة مواقف لبنانية شديدة الرفض، إلى حد دعوة البعض إلى تصويت البرلمان اللبناني على قرار يسمح بالهجرة، للسوريين وغيرهم، عبر البحر باتجاه أوروبا، وهو أمر حاولت أوروبا بقوة منعه والسيطرة عليه خلال العقد المنصرم منذ اندلاع الأزمة السورية.

 في أي حال من الأحوال، لا يعتبر لبنان نفسه بلداً للجوء، أو النزوح، وقد وثّق ذلك قانوناً عبر اتفاقية دولية مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2003 التي نصت بوضوح على أن لبنان لا يعتبر بلداً مشرعاً للجوء، أو النزوح، ويحق له بموجب هذه الاتفاقية الدولية المودعة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ان يُرحّل أي نازح وافق على إيوائه خلال عام إن لم تتمكن المفوضية من إعادة توطينه في بلد ثالث، وهو ما طبقه لبنان مع النازحين العراقيين، وغيرهم آنذاك، لكنه لم يطبقها على النازحين السوريين مؤخراً.

 إن تصنيف وتوصيف قرار البرلمان الأوروبي يعتبر قراراً غير شرعي وفقاً لمبادئ القانون الدولي، بخاصة قضايا الهجرة واللجوء والنزوح، باعتبار أن لبنان ليس بلداً أوروبياً، ولا سلطة للاتحاد الأوروبي ولا للبرلمان عليه خارج إطار الاتفاقات الثنائية المبرمة رضائياً، ووفقاً للأصول، وهو بذلك، أي البرلمان الأوروبي، يتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويعتبر عملاً يمسّ السيادة اللبنانية، ويضر بأمنه القومي وكيانه، ويهدد وحدته وسلامة شعبه.

لقد ظهرت مؤخراً، مؤشرات قوية وواضحة على نهج يتم التعاطي به مع لبنان في قضايا النازحين، ما يعزز شكوكاً ومخاوف كثيرة مبررة لدى اللبنانيين عن حقيقة دور لبنان ومصيره مستقبلاً، وثمة من يعتبر أن هذه المؤشرات لها دور في ما يرسم من جغرافيا سياسية قادمة في المنطقة، بخاصة أن عمليات ترانسفير شهدتها المنطقة في مراحل مختلفة سابقاً، ويبدو أن العمل جار لإعادة التوزيع والتركيب السكاني في المنطقة. ويبدو أن لبنان الحلقة الأضعف بين دول المنطقة التي استضافت أعداداً وازنة من النازحين السوريين وغيرهم مؤخراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryhw2k9

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"