تفاؤل مبالغ فيه

22:09 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد العريان *

شهد النصف الأول من عام 2023 تشتتاً اقتصادياً ومالياً مذهلاً داخل البلدان وخارجها. ومع عكس بعض هذا التشتت في يوليو/تموز الماضي، ازدادت التنبؤات أكثر بحدوث تقارب في الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة. تنبؤات مترافقة مع مجموعة من النتائج الإيجابية على طول الطريق، من معدلات نمو مرتفعة، إلى أخرى منخفضة تخص التضخم، مروراً بأداء استثمار جيد. لكن مع ذلك، أرى تبني هكذا تنبؤات الآن بأنه أمر متسرع بعض الشيء، وينقصه الحكمة.

نعم، إن علامات التقارب الواضحة في المجالين الاقتصادي والمالي تتضاعف، وأمثلة ذلك كثيرة. فبعد أن تأخرت لفترة طويلة في خفض معدل التضخم بشكل كبير، فاجأت المملكة المتحدة الجميع ببيانات إيجابية عن تراجع معدل التضخم الأساسي لديها في يوليو، ما عزز الآمال بأنها تتماشى بسرعة نسبية مع معدلات التضخم المنخفضة السائدة في اقتصادات مجموعة السبع الأخرى.

ومع الإجراءات السياسية المتوقع اتخاذها على نطاق واسع من قبل الهيئة المنظمة للسلوك المالي في بريطانيا في وقت لاحق من هذا الأسبوع، قد ينضم بنك إنجلترا إلى البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي في التقارب إلى 25 نقطة أساس لزيادة سعر الفائدة بعد مجموعة واسعة من النتائج في يونيو. وشملت هذه زيادة بمقدار 50 نقطة أساس في بنك إنجلترا، وزيادة بمقدار 25 نقطة أساس للبنك المركزي الأوروبي، ونسبة ثابتة لبنك الاحتياطي الفيدرالي.

في غضون ذلك، وبعد انزلاقه بشكل كبير خلف مؤشر «ناسداك» الصاعد للتكنولوجيا، عدّل مؤشر «داو جونز» للشركات الصناعية والاستهلاكية التقليدية موقفه إيجابياً في الأسابيع الأخيرة.

أما على الصعيد الدولي، وعلى الرغم من الأداء الأقل من المتوقع سابقاً مقارنة بنظيراتها في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، تفوقت الأسهم الصينية على الجميع في يوليو. وما اعتبره البعض حديثاً مقلقاً عن «الفصل» بين الصين والولايات المتحدة قد أفسح المجال لمفهوم أكثر راحة على ما يبدو وهو «عدم المخاطرة» الذي لن يعرقل مسار النمو والتجارة، كما لن يتسبب بقدر كبير من عدم الاستقرار المالي.

إن هذا الحديث المتزايد عن «انخفاض» التشتت الاقتصادي والمالي وحدوث تقارب أكبر، يغذي بطبيعة الحال التفاؤل في الاقتصاد والأسواق. وبالفعل، كلما طالت مدة ذلك، قلت حالة عدم اليقين وخفّت التقلبات داخل البلدان وعبرها.

في المقابل، سيؤدي ذلك إلى تحسين احتمالات الهبوط الناعم على المستويين الوطني والعالمي، وبالتالي، تخفيف معدلات الفائدة وضغوط العملة المتزايدة، وتمكين الخطوة التالية في أسعار الأصول من أن تقودها الأوراق المالية ذات التقييمات الأقل تضخماً. وأيضاً، مع احتمال وجود مجموعة من الانطباعات وردود الفعل الإيجابية لاحقاً، من المغري الاعتقاد بأن النصف الثاني من العام سيشهد انحساراً واضحاً لغيوم عدم اليقين التي كانت تغطي بشكل خطِر الاقتصاد والأسواق العالمية.

لكن، بقدر ما نأمل أن يتحقق كل هذا، سيكون من الحكمة التخطيط لطريق وعر في المستقبل. فقط ضع في اعتبارك بعض العوامل التي تعقد التقارب الذي يبدو أنه يحدث.

ففي ظل غياب مساهمة أكبر من تدابير تعزيز العرض، لا يزال أمام بنك إنجلترا عقبات لاجتيازها في معركته مع التضخم. وبينما يسابق البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الزمن في مهمتهما لمكافحة التضخم، سيواجه كلاهما مقايضات بين تحقيق هدف التضخم المشترك بنسبة 2%، والحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي داخل منطقتهما.

في السياق، تمتد تحديات البنوك المركزية إلى ما هو أبعد من ذلك. فخلال الأشهر المقبلة، سيواجه بنك اليابان مهمة دقيقة متمثلة في إجراء أكثر من تعديل على نظام سياسته المشوهة بشكل متزايد، وتحديداً التحكم في منحنى العائد على سندات الخزانة. في الوقت نفسه، من المرجح أن يضرب التأثير التراكمي لارتفاع أسعار الفائدة في أماكن أخرى بقوة أكبر مجموعة كبيرة من الأنشطة ذات الرافعة المالية الضخمة وشركات الزومبي التي تتطلب جدواها المالية إما إعادة هيكلة مالية أو تخفيضات قسرية في الديون.

وفي عالم يتعرض فيه التصنيع للضغط ويتم استنزاف فائض المدخرات، فإن الدعم الأساسي لمكاسب الأسعار على مستوى السوق سيفتقر إلى إمكانات مجموعة صغيرة من الأسهم التي تركب موجة علمانية ضخمة، أي تلك التي من المرجح أن تحافظ على قيمتها، حتى أثناء الركود أو الانكماش الاقتصادي.

وبالنظر إلى أن تحديات النمو في الصين «دورية وعلمانية» على حد سواء، فإن استراتيجية الحكومة التقليدية المتمثلة في شحن الأسواق من خلال التحفيز المالي والنقدي ستثبت أنها أقل فاعلية وأكثر تشويهاً، مما يحبط التقارب السريع في السوق. كما أنه ولأسباب موضحة سابقاً، من الصعب جداً على الولايات المتحدة التخلص من مخاطر الصين دون درجة كبيرة من الفصل.

وعليه، يجب أن نبذل قصارى جهدنا لتخفيف جاذبية روايات التقارب المطمئنة. وعدم القيام بذلك، لن يترجم فقط على أنه استهتار واسترخاء سابق لأوانه لما تبقى من تحديات اقتصادية قصيرة الأجل، بل سنصبح في وضع أسوأ من حيث التعامل مع المشاكل الهيكلية التي تواجه جيلنا وأولادنا وأحفادنا.

* رئيس كلية «كوينز» بكامبريدج ومستشار «أليانز وغراميرسي»

فاينانشال تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3u32n8su

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"