تباين الاقتصادين الأمريكي والأوروبي وتأثيراته العالمية

20:50 مساء
قراءة 3 دقائق

لدى الكثير منا مؤشراته الاقتصادية والمالية المفضلة، وأنا أشير هنا إلى تلك المؤشرات التي لا تحظى باهتمام كبير من القنوات التلفزيونية الموجهة نحو التمويل والأسواق، ومع ذلك يمكنها تقديم رؤى مهمة. وأحد الأمور المفضلة لدي، هو التباين بين معايير الدخل الثابت الرئيسية في الولايات المتحدة وألمانيا، والتي بلغت مستويات كبيرة.

وبشكل أكثر تحديداً، أنا أتحدث عن الفارق بين العائد على سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات ونظيرتها في ألمانيا (والتي تعد أيضاً معياراً لقسم كبير من أوروبا). وفي التعاملات المبكرة يوم الأربعاء الماضي، ارتفع هذا الفارق إلى 200 نقطة أساس لصالح الولايات المتحدة، وهو مستوى وصل إلى هذا العلو ثلاث مرات فقط منذ بداية عام 2020. وعلاوة على ذلك، فهو الآن أعلى بكثير من أدنى مستوى خلال السنوات الثلاث الماضية عند 90 نقطة أساس وأقل بقليل من أعلى مستوى عند 214 نقطة أساس. وهناك تطوران رئيسيان دفعا هذا الاتساع الأخير. 

الأول هو أن البيانات الاقتصادية الأمريكية بشكل عام كانت أقوى من التوقعات المتفق عليها. والآخر هو بيانات التضخم في منطقة اليورو التي جاءت أقل من المتوقع.

وفي الأساس، يجسّد الاتساع هيمنة الاستثناء الاقتصادي الأمريكي على الركود الاقتصادي الأوروبي، وهو ما يتجلى بشكل أكثر شمولاً في التناقض بين نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 4% في النصف الثاني من عام 2024 والركود في ألمانيا. ويصاحب ذلك تباين في معدلات التضخم، حيث تثبت الزيادات في الأسعار في الولايات المتحدة أنها أكثر عناداً من الزيادات في أوروبا، فيما يعتبره كثيرون «الميل الأخير» في معركة البنوك المركزية ضد التضخم.

والأهم من ذلك، أن هذا الاختلاف يشمل ما هو أكثر من مجرد الأرقام الاقتصادية الأخيرة. إن الاقتصاد الأمريكي يسير على مسار نمو داخلي أكثر صحة مقارنة بأوروبا.

وإضافة إلى دعم النمو في الولايات المتحدة بمجموعة أكثر ملاءمة من الشروط الأولية، من القدر الأعظم من المرونة في عوامل الإنتاج إلى ريادة الأعمال الأكثر مرونة، فقد تعزز النمو في الولايات المتحدة أيضاً بفضل دافع مالي أكبر وتركيز سياسي أقوى على محركات النمو الاقتصادي في المستقبل. 

وكما أشار مؤخراً أندرو بولز، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة إدارة الاستثمار العالمية للدخل الثابت العالمي، في مقابلة مع «بلومبيرغ»، فإن هيكل نظام تمويل الرهن العقاري في الولايات المتحدة يجعل اقتصادها أقل حساسية لارتفاع أسعار الفائدة.

كما أن دعم السياسات الذي يتم تقديمه لثلاثة قطاعات بالغة الأهمية في التحول العلماني: التكنولوجيا وعلوم الحياة والطاقة، لها تأثير أعظم في ضوء المزايا المهمة التي تأتي مع كوننا من بين «الرواد الأوائل». وإذا تم تنفيذ هذا الدعم على النحو اللائق فإنه يكفي للحفاظ على ميزة النمو التي تتمتع بها الولايات المتحدة في الأمد المتوسط، وإن كان ربما لا يكفي للعمل بصفته محركاً رئيسياً للنمو في العديد من البلدان الأخرى اقتصادياً ومالياً.

وعلى وجه التحديد، ونظراً لما يحدث على المستوى الإقليمي في أوروبا وفي الصين شريكتها التجارية الرئيسية، فمن غير المرجح أن يعطي النمو الأمريكي الأكثر ازدهاراً دفعة كبيرة لأوروبا. ومن غير المرجح أن يؤدي تباطؤ أوروبا إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، إلا في حال حدثت صدمة خارجية كبيرة من نوع ما تخرج الولايات المتحدة عن مسارها، مثل هفوة أخرى في السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي أو ارتفاع أسعار النفط بدوافع جيوسياسية، إلى 100 دولار أو أكثر للبرميل على سبيل المثال، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تضييق فارق العائد لمدة 10 سنوات إلى 100 نقطة أساس أو أقل.

ولهذه التوقعات آثار على المستثمرين العالميين تتجاوز وضع المحفظة النسبية في الأسواق الدولية ذات الدخل الثابت. فعلى سبيل المثال، تعد بمنزلة ملاحظة تحذيرية لأولئك الذين يتطلعون إلى بيع الأسهم الأمريكية بسرعة لصالح أوروبا وكذلك أولئك الذين يراهنون على ضعف الدولار.

ويمكن أن يكون هذا الاختلاف أيضاً بمنزلة تعقيد آخر للاقتصاد العالمي الذي يمر بالفعل بتغييرات هيكلية متعددة السنوات مثل إعادة هيكلة سلاسل التوريد، وزيادة الاستثمار في أدوات التجارة والاستثمار عبر الحدود، وكذلك تطبيق الابتكارات الرئيسية المعززة للإنتاجية مثل الذكاء الاصطناعي.

هل أبالغ في تقدير المؤشر المالي الذي يتجاهله الكثيرون في تحليلاتهم للبيانات عالية التردد؟ الوقت سيخبرنا. وفي غضون ذلك، سأبقيه قيد المراجعة المستمرة.

(المقال مترجم عن بلومبيرغ)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2bx3nrma

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"