الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد.. استشراف وتميز إماراتي

21:52 مساء
قراءة 4 دقائق

د. خالد واصف الوزني *

يرزح الاقتصاد العالمي، خصوصاً في الدول المتقدمة، تحت وطأة حالة من الركود التضخمي امتدت بشكل واضح على مدى السنوات الثلاث الفائتة، متأثرة بداية بتبعات جائحة كورونا، ثمَّ بنشوء الحرب في أوكرانيا، ومعزّزة بسياسات نقدية انكماشية عبر قنوات رفع أسعار الفائدة اثنتي عشرة مرة. ويأتي ذلك في الوقت الذي بدأت فيه الثورة الصناعية الرابعة تتحوَّر في شكل جديد يحكمه فضاء التقنيات العالمية، التي يتوِّجها الذكاء الاصطناعي، ومتسلحة بممكِّنات من البيانات الكبرى، وفضاء إنترنت الأشياء، وعالم الميتافيرس.

في ظل ذلك كله، واجهت الدول التي تُعرَف بدول العالم المتقدم، حالةً من عدم الاستقرار الذي يتكون من التقلُّب السريع، وعدم اليقين، والتعقيد، أي ما بات يُعرَف عالمياً بحالة «الفوكا VUCA». بيد أنَّ الفرصة باتت مواتية اليوم أمام دول الاقتصادات الناشئة، الرشيقة وسريعة النمو والتأقلم، والدول الساعية للتطور على الساحة العالمية، أن تستغلَّ الفرصة وتنطلق عبر «هيبرلوب» الذكاء الاصطناعي لتتسنم مقدمة الاقتصاد العالمي؛ تجارة، وإنتاجية، وحضوراً عالمياً في مجال عالم الابتكار والإبداع والاستشراف المستقبلي. ذلك أنَّ ممكِّنات الوصول إلى ذلك متوافرة، بل وفي متناول الجميع.

إنَّ تقدُّم الدول خلال العقدين المقبلين، سيكون بشكل واضح في يد الدول التي تتبنّى ممكِّنات الذكاء الاصطناعي، عبر غزو الفضاء، وتكوين والتمكّن من السحابات الفضائية للمعلومات، والعمل في مجال هندسة البيانات، واحتضان المبدعين والمبتكرين.

بات عالم الذكاء الاصطناعي أحدَ أهمِّ محدّدات تحقيق أهداف علم الاقتصاد، بما يعنيه ذلك من الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق أعظم قدر ممكن من المنافع والعوائد للفاعلين الاقتصاديين، منتجين ومستهلكين وحكومات. فاليوم تشير الدراسات إلى أنَّه سبيل لتحقيق منافع اقتصادية عدة لمكوِّنات الاقتصاد الثلاثة، بيد أنَّ أهم المنافع والعوائد تتمثَّل في دور هذا الذكاء وقدرته على تحسين مستوى إنتاجية وتطوير كفاءة عناصر الإنتاج، من تنظيم، وعمل، ورأس مال مادي، وأرض بمكوناتها المعدنية، والزراعية والعضوية. وما يعنيه ذلك من رفع لمستوى مهارات الإنتاج السلعي والخدمي، وتسهيل مهمة صنّاع القرار، وتطوير قدراتها في ترشيد القرار وتحسين حاكميته.

ولعلَّ ما يعزِّز ذلك كله، بعض الإحصاءات الحديثة التي تقول مثلاً إنَّ مساهمة مكوِّنات الذكاء الاصطناعي سوف تتجاوز 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 2030، أي إنَّ استخداماته في مجالات العمل والإنتاج المختلفة، ستسهم بما يزيد على 15 تريليون دولار بحلول 2030.

كما تشير بعض الدراسات إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي سيساعد على رفع كفاءة وإنتاجية نحو 40% من القوى العاملة خلال السنوات العشر المقبلة. أمّا في القطاع الصناعي، فإنَّ المتوقع أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية الكلية 30%، ما يعني تحسُّن مستوى القيمة المضافة المحلية بهذه النسبة أيضاً. وسيساهم الذكاء الاصطناعي بنمو حقيقي في بعض الدول المتقدمة، بما يزيد على 1.2%، وهي نسبة تكاد تساوي أو تزيد على ما تحققه تلك الدول حالياً.

وأخيراً وليس آخراً، فمن المتوقَّع أن يوفِّر الذكاء الاصطناعي زيادة تتجاوز 34% في إيرادات القطاع المالي، ويؤدي إلى فتح وظائف جديدة في القطاع تصل نسبتها نحو 14% عمَّا هو الوضع الحالي. وهكذا، فإنَّ التنافسية العالمية في المستقبل ستتمحور حول قدرات الدول على تبنّي أدوات الذكاء الاصطناعي في المحاور الاثني عشر لتلك التنافسية، خصوصاً ما يتعلَّق بالمكوّنات الرئيسية لمحاور المؤسَّسية، وتقنيات المعلومات والاتصالات، والتعليم والمهارات، والصحة، وكفاءة سوق العمل، وديناميكية الأعمال، وسعة الابتكار، وهذا أيضاً ينطبق، بدرجة أقل، على محاور البنية التحتية، والاستقرار الاقتصادي، والنظام المالي، وحجم السوق. بل يمكن القول إنَّ محور الاستقرار الاقتصادي وتنافسيته، سيعتمد بشكل أساسي على قدرة الدول على تبنّي متطلبات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الاقتصاد كافَّة. وفي هذا السياق، تعدُّ الإمارات، التي باتت تُنافس ضمن المراكز العشرة الأوائل في تقارير التنافسية العالمية، من أكثر دول العالم ريادة في مجال استخدامات الذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت، عام 2017، استراتيجية خاصة به وباستخداماته في القطاعات الاقتصادية المختلفة، مستهدفة أن تتبوَّأ المركز الأول عالمياً في استثمار مجالات وسبل هذا الذكاء في القطاعات الحيوية، وأطلقت أيضاً العديد من المبادرات لاحتضان المبدعين والمفكرين والرياديين في مجالاته المختلفة، على مستوى العالم، وسعت إلى إيجاد مئة تطبيق واستخدام عالمي في مجالات خدمة لروّاد الأعمال، والمبدعين، والقادمين الجدَّد إلى سوق العمل، والطلبة والخريّجين، ما يعني تأهيل شريحة كبيرة من مستخدمي ومطورِّي برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي للانطلاق من منصات الدولة، ولتكون بذلك صاحبة السبق والريادة العالمية في مجالات تطوير هذه الاستخدامات، وتسعى الحكومة إلى أن يكون هذا الذكاء ضمن ممكِّنات تنويع القاعدة الاقتصادية لدولة الإمارات، وبحيث تكون الاستخدامات بما يوازي خُمس الناتج المحلي الإجمالي للدولة بحلول عام 2025، أي ما يقرب من 118 مليار دولار، وهو ما يجعلها الدولة الأولى في العالم في مجال دور الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع أن يصل ذلك على مستوى العالم الى 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين من المتوقَّع أن يتجاوز 20% في الإمارات، وهي بذلك ستكون الدولة الأكثر تطوُّراً، والعاصمة العالمية للذكاء الاصطناعي.

* أستاذ السياسات العامة المشارك - كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n6ztshp

عن الكاتب

أستاذ السياسات العامة المشارك - كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"